الضّمان لا يسقط إذا ضاعت بعد أن ردها إلى أمانته. واختاروا من قوله ما رووه عنه. وإلى هذا ذهب الشّافعي وأبو حنيفة.
وسبب الاختلاف الالتفات في هذه المسألة إلى تسلّف الوديعة، هل يَجُوز أو يمنع؟ والحكم فيه يتفصّل.
فإنّ من بيده الوديعة (?) لا يقدر على ردّها لصاحبها عند مطالبته له بها، فإنه لا يختلف في تسلّفها -وهو على هذه الحالة- أنّه يمنع. فإنّ هذا كأكل مال إنسان بغير اختياره وبغير عوض، ولا خفاء في تحريم ذلك.
وأمّا إن كان الحائز للوديعة موسرًا، فإنّ المذهب فيه اختلاف في إباحة السلف من غير إذن لعذر المودع له في ذلك. فابن القصّار من أصحابنا يشير إلى أنّ الإباحة متفق عليها. ولكنّه أشار بذلك إلى الصدر الأول. فقال إنّ ابن عمر رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها تسلفا من أموال أيتام في ولايتهما, ولم ينكر ذلك عليهما أحد، وصار ذلك كالإجماع. وهذا الّذي قاله قد علم اختلاف الأصوليين فيه (?) مذهب في مسائل الفروع لبعض الصّحابة. وسكت الباقون عن إنكاره يكون سكوتهم كالموافقة لأصحاب المذهب أو لا يكون سكوتهم موافقة، على ما بيّناه فيما أمليناه في أصول الفقه.
والنّكتة النّظرتة الّتي يدور عليها هذا الخلاف أن تعلم أنّ المودع إن صرّح بالإذن لحائز الوديعة في أن يتسلفها، فإنّ ذلك لا يختلف فيه في كون السلف لها مباحًا، لحصول الإذن فيه قطعًا. وإن نهاه عن تسلفها، فلا يختلف فيه أيضًا في أن التسلّف ممنوع مع كون المنع مشترطًا في أصل الإيداع. وهذا هو مقتضى الأصول. لكن قد اختلف المذهب عندنا في اشتراط ما لا يفيد، هل يقضى به على من اشترط عليه أم لا؟ وقد نبّهنا على ذلك في كتاب (?). ولكن قد يتصوّر