ولو أنّ لرجل على رجل ألف درهم فقال: إن جئتني بها رأس الشّهر، هضمت عنك منها مائة، فإنّ ذلك جائز لازم لهما. لكن إن تأخّر عن الشهر بالأمر البعيد، فإنّ الوضيعة لا تلزم، لأنّها معلّقة بشرط، والشّرط ها هنا قد فقد بالتآخير الكثير. لكن لو أتى بها بعد الأجل بالقرب كاليوم، فإن مطرّفًا حكى عن مالك أنّ الوضيعة لازمة. كمن أتى بأضحية أسلم إليه فيها بعد أيّام الإضحى بيوم، فإنّ من له السلم لا مقال له. ولو أتى بها بعد أيّام الأضاحي بزمن بعيد، لم تلزم. وذهب أصبغ وغيره إلى أنّ الوضيعة لا تلزم، وإن أتى بالدّين بقرب الأجل الذي أجل له في الهضيمة.
وكذلك على هذا الأسلوب جرى الخلاف بينه وبين مالك إذا أتى بالدّين ناقصًا منه مقدار مَا لا بال له، فإنّ مالكًا رضي الله عنه ألزم الوضيعة، وأصبغ لم يلزمها.
والّذي قاله أصبغ هو الأصل على مقتضى اللّفظ الّذي وقع بينهما. والّذي قاله مالك جنح فيه إلى مراعاة القصود دون الألفاظ. والقصد في مثل هذا أن لا يمطل بالحقّ عن الأجل الّذي أجل له مطلًا كثيرًا، ولا ينقص عن مقدار الدّين أيضًا نقصًا كبيرًا.
ولو صحّ أنّ هذا القصد عليه وقعت الهضيمة وهو مرادهما باللّفظ، لم يختلف في ذلك كما لو صرّحا به.
وقد أشار الشّيخ أبو إسحاق إلى تعقّب ما قال مطرت في الأضاحي.
وقال: فإنّ الإتيان بها بعد اليوم الواحد من أيّام الأضاحي هو أولى بأن لا يلزم من له السلم، لكون اللّحم حينئذٍ لا يراد ولا يرغب في شرائه. وإذا بعد الزّمن، عادت الرّغبة فيه. وأشار إلى أنّ القياس كون السلم المعلّق بالذمّة لا يتغيّر بتغيّر الأزمنة حكمه؛ لأنه لو عقد على أنّه ينحلّ لطروّ تغيّر في الزّمن، لفسد العقد.
كما لو وقع السلم في الشدّة فأتى المسلم إليه بالطّعام في الرّخاء، (فإن تلوّن هذه الحالة وكون الطّعام في زمن الرّخاء لا تعظم الرّغبة فيه) (?).