فإذا تقرّر هذا عدنا إلى أحكام المبايعة فيها. ولا يخلو التّبايع فيها أن يقع بين كافرين أو بين مسلمين أو بين مسلم وكافر. وهذا القسم الثالث على قسمين أحدهما أن يكون الكافر هو الذي باعها من مسلم أو المسلم هو الذي باعها من كافر.
فأمّا إذا وقعت المبايعة فيها بين كافرين فليس لنا إنكار ذلك عليهما لكون ذلك سائغًا في دينهما الذي أقررناهما عليه.
وإن كانت المبايعة بين مسلمين اتّضح أن كل واحد منهما لا يجوز له بيعها ولا شراؤها ولا أخذ ثمنها، فإن فعلا ذلك وكانت الخمر قائمة لم تفت فإنها تكسر وتُراق، لكون بائعها من مشتريها لا يحلّ لواحد منهما تملكها ولا المعاوضة عليها. فإذا أريقت على البائع، لكونه باع ما لا يحلّ له، لم يلزم المشتري ثمنها، لكونه غير ممكن من المثمون. وإذا دفع الثمن ردّ إليه لكونه ثمناً لما لا يحلّ عند البائع والمبتاع. هذا إذا كانت الخمر قائمة. فإن استهلكت وفاتت عند مشتريها، فإنّ أبا حنيفة قال: يتصدّق بالثمن سواء دفعه مشتريها أو لم يدفعه، وهكذا مذهبه إذا تعامل بها مسلم مع كافر وفاتت الخمر، فإنّه يتصدّق بالثمن دفع أو لم يدفع، سواء كان باعها مسلم من نصرانيّ أو نصرانيّ من مسلم.
وأمّا إن تبايع مسلم وكافر، وكان البائع نصرانيًّا وكانت الخمر قائمة، فإنّ فيها ثلاثة أقوال: ذهب سحنون إلى الصدقة بالثمن، قبضه النّصرانيّ البائع أو لم يقبضه. وذهب ابن حبيب إلى أنّه لا يتصّدق بالثّمن قبضه البائع النّصراني أو لمْ يقبضه. فإن كان لم يقبضه النّصرانى لم يؤخذ من المسلم، وأريقت الخمر إذا دفعها النّصرانيّ أو أبرزها للدّفع وإن كان قبضه النّصرانيّ أبقي له، وأريقت الخمر على المسلم. وذهب مالك رضي الله عنه إلى التّفرقة، فقال: إن قبض الثمن أقرّ في يديه، فإن لم يقبضه تصدّق به عليه أدبًا له.
وأمّا إن كان بائعها مسلمًا من نصرانيّ، فقد ذكر ابن الموّاز أنّ المسلم