للمشتري الخيار إذا نقص المبيع الغائب بعد العقد في ردّه وفسخ العقد. لكن بعض المتأخّرين سلك هذا المسلك في زيادة أو نقص خرجا عن العادة. وأمّا ما جرت العادة به من تغيير نقض أو زيادة فإنّه لا مقال للمشتري فيه ولا لليائع، لكونهما دخلا على المعتاد في ذلك. هذا على تسليم هذه الرّواية على ظاهرها. وأما على ما أشار إليه سحنون فإنّه حمل قوله: والنماء، على القولين جميعًا في عبد بيع ثم ملك مالًا بعد العقد، وهو في ضمان البائع، فإنّه يحسن عنده تصوّر الخلاف في هذا لكون المال شيئًا مميّزًا عن العبد يصحّ صرفه إلى أحد المتعاقدين مع ثبوت العقد في العبد على ما هو عليه. بخلاف نماء الأبدان وزيادة الصفات. وأظنّه أنه قد قيل أيضًا: إنّ النّماء والنقص المشار إليه في المدوّنة ها هنا محمول على زيادة الأسواق ونقصها. وهذا التأويل، إذا حملت الرّواية عليه، أوضح وجهها لكون الأسواق لا تثبت غالبًا على حال فكأن المتعاقدين دخلا على اطراح الالتفات إليها.
فإذا تقرّر اضطراب المذهب في اعتبار قدر التّسليم فإنّ المبيع الغائب لا يمكن تسليمه عقيب العقد لأجل غيبته. وإذا لم يمكن ذلك فيه كان سبب الخلاف فيه ما أشرنا إليه من اضطراب المذهب في مراعاة اعتبار قدر التّسليم.
وهذا التعليل يقتضى صحّة ما نقله ابن الموّاز من كون الدّار الغائبة إذا بيعت كالعروض الغائبة إذا بيعت، لكون التّسليم يتعذر في الجميع. ويقتضى هذا التّعليل أيضًا كون المشتري إذا تراخى عن الخروج لقبض الغائب تراخيًا خارجًا عن العادة حتى يذهب الزمن الذي يعلن فيه قبض المبيع فإنه يسقط الضمان عن البائع حينئذٍ، ويصير كالعروض الحاضرة إذا بيعت ومكّن البائع مشتريَها من قبضها فتركها اختيارًا، فإن ضمانها من مشتريها.
وممّا كان يذكره شيخنا ها هنا الاعتذار عن اختلاف اختيار ابن القاسم في قول مالك ها هنا فإنّه اختار كون المبيع الغائب ضمانه من بائعه. واختار في المحتبسة بالثمن من قولي مالك كون الضمان من المشتري، وأجراها مجرى الرهبان وما ذلك إلاّ لأنه يقدر أن المحتبسة بالثمن أمكن المشتري قبضُها