علمًا، ثم خرج منها فعقد شراءها وهو قائم على بابها يجب على هذا المذهب أن يكون العقد فاسدًا؟ فالتزم له هذا الرجل فساد العقد. فقال له الأصطخري:
لو كان خاتمًا في إصبعه فنقله إلى كله وأطبق يده عليه، هل يُفسد البيعَ عدمُ الرؤية عند العقد؟ فقال: نعم. فقال له: لو عقد الدّار وهو بوسطها وقد شاهد جميعها؟ فوقف له على التزام ذلك، لأنه لو التزم هذا لم يصحّ بيع دار ولا أرض، ولا يخفى فساد هذا لو التزمه على أحد. وعزا الأنماطي في هذا المذهب كون المذهب عندهم اشتراط الشهادة في جمقد النكاح، وإذا كانت الشهادة شرطًا في صحة النّكاح فإنّهم يقولون: لا بدّ أن يقارن العقد، وكذلك الرؤية، لمّا كانت شرطًا في صحّة بيع المبيع الحاضر، وجب أيضًا أن يقارن العقد ..
وهذا فرع لا يناسب أصله؛ لأنّ القصد باشتراط الشهادة للعقد لأنّه يستحيل تقدّمها له، لأنّها إن وقعت على أنّ العقد وقع فلا يقال: تقدّمت. وإن تقدّمت على أنه سيفعل فيما بعد ذلك فذلك وعد بالعقد لا عقد. وإن وقعت الشهادة بالعقد بعد العقد فقد مضى زمن لم يحصل فيه المقصود من النكاح، ولا يمكن القدوم عليه وهو آمن من الحدّ، فلهذا اشترطوا مقارنة الشهادة للعقد من ذهب إلى هذا. وأمّا الرّؤية للمبيع فالقصد بها كون المبيع معلومًا، والعلم به يحصل على حالة واحدة سواء قارنت الرّؤية العقد، أو تقدّمته بزمن قريب يعلم قطعًا أنه لو أعاد بصوه إليه لم يتغيّر منه شيء عليه.
وأمّا بيع ما ليس بعين يشار إليه، فالتمييز في الوجود ولكنه العقد على موصوف في الذمّة، فهذا هو السّلم. وقد تقدّم في كتاب السلم ذكر الدّليل على جوازه، والعلّة في جوازه أيضًا، ولا خلاف فيه على الجملة، وأشرنا إلى أن الاقتصار به على الصفة مِمّا تدعو الضرورة إليه، لأنه لو كان عينًا موجودًا لم يصح السّلم فيها، بك يكون العقد على هذه العين المعينة بشرط ضمانها إلى أجل إن هلكت قبله أتى البائع بمثلها. وقد بئنّا هناك ما في هذا من الفساد، فإذا إستحال هذا الوجه لم يبق بعده إلاّ الاقتصار على موصوف في الذمّة فلهذا أجمع على جواز السّلم.