استحلاف الرسول. وكان الرسول مصدَّقًا في ذلك مع يمينه، لكون الموكل ائتمنه على ذلك. ولكنه يحلف لإنكار المؤتمن له أنه وفي أمانته.
وكذلك لو صدق الرسول الموكل في أنه لم يأمره إلا بخمسة، وزعم أنه لم يرهنها إلا في خمسة، فإن ذلك لا يوجب أخذها من يد من هي في يديه بأقل من قيمتها، كما لا يصدق مالكها إذا تولى رهنه ابن فسه في أنها رهن في دون قيمتها. وحكم يمين الواسطة على ما ذكرناه. وتصديق من هي في يديه، وهي في مقدار قيمتها، إنما ذلك مع يمينه؛ لأن قيمتها كشاهد بصدقه، ومن أقام شاهدأواحدًا فلا بد من يمينه. فإن نكل من هي في يديه عن اليمين حلف الموكل وأخذها، إذا دفع الخمسة التي أقر بها. ثم ينظر في الرسول فإن صدق من هي في يديه أنها في عشرة فإنه يختلف في القضاء عليه للمرتهن بالخمسة التي اعترف أنه قبضها منه وجحده الموكل أن يكون أوصلها إليه، وحلف أنه لم يأمره إلا بخمسة ولم يوصّل إليه إلا الخمسة.
كما اختلف فيمن أتى إلى من عنده وديعة لرجل، فزعم أنه أنفذه ليقبضها له فصدقه المودع ودفعها إليه، ثم أتى المودع لها فأنكر أن يكون بعث لقبضها أحدًا، فغرمها المودع، ثم أراد أن يطلب بها من قبضها منه، فقد قيل: لا مطالبة له عليه لكونه قد صدقه في كونه رسولًا لمالكها ولولا ذلك لم يدفعها إليه.
وقيل: بل يطالبه بما قبضه منه وكان سببًا في غرامته، لأنه يعتذر بأنه إنما صدقه في ظاهر الأمر لا في باطنه. وإنما صدقه بشرط أن يصدقه مالك الوديعة.
فكذلك ها هنا إذا كان المرتهن قد قبل قول الرسول: أن الموكل أمره أن يرهنها في عشرة، وقيمتها خمسة، فحلف للموكل ودفع خمسة وأخذها. فإن الرسول مقر أنه قبض ممن هي في يديه عشرة وأنه أوصلها إلى الموكل. فالخمسة الزائدة على ما أقر به الموكل إنما قبضها الوكيل ممن الرهن في يديه ليوصّلها إلى الموكل. وكأن من بيده الرهن مصدق له أيضًا في أنه لم يكذب على من أنفده فيجري فيه الخلاف المذكور.