شرح التلقين (صفحة 2087)

وهذا الوكيل واسطة بينه وبين من اشتراها. فصدق الوكيل أنه لم يقبض ثمنها من الموكل، ويحلف الوكيل أنه لم يدفع ذلك إليه. ويطالب الموكل بدفع الثمن لأن الأصل براءة الوكيل من قبض مال الموكل دينًا أو أمانة. ومن استمسك بالأصل فهو المدعى عليه.

وأما إن كان الوكيل دفع ثمن السلعة لبائعها منه، ثم طالب الموكل بالثمن، وزعم أن الثمن المدفوع من عنده سلفًا للموكَّل وزعم الموكل أن الثمن المدفوع للبائع هو دفعه إليه. فظاهر المذهب على قولين: هل يصدق الموكل أو الوكيل؟ ففي سماع ابن القاسم فيمن وكلته زوجته على شراء شيء، فأتى يطالبها بالثمن بعد ما اشترى ما وكلته عليه، فزعمت أنها دفعت ذلك إليه، وقد قبضت منه ما وكلته على شرائه، فإن القول قول الوكيل: إنه لم ينقد الثمن للبائع. وإن كان نقده فالقول قول الزوجة.

وروى عيسى في رجل وكل رجلًا على شراء سلعة فاشتراها، وزعم الموكل أنه قد دفع ثمنها للوكيل، فإن القول قول الوكيل: إنه لم يدفع إليه.

وإنما وقع هذا الاختلاف إذا كان الوكيل قد نقد للبائع ثمن ما باعَه منه ولم يقع هذا الاختلاف إذا كان لم ينقد للبائع لأجل أنه إذا كان قد نقد البائع فقد سقط مقال البائع في المطالبة بالثمن، وانقطع بذلك علائق الوكالة، لكون الوكيل مقرًا أن الذي اشتراه قد ملَّكه الموكّل، وأن البائع قد وصل إليه العوض عن ذلك. فجعلت المطالبة بينه وبين الموكل فصار مدعيًا عليه أنه أسلفه سلفًا، ومن ادعى عليه أنه قد أسلف فالقول قوله.

ورأى من ذهب إلى القول الآخر أن الثمن لما أقر الموكل أنه لم يصل إلى يد البائع إلا من يد الوكيل ومن حوزه، والقول قول الحائز أن الذي خرج من يده ملكٌ له، فوجب لأجل هذا تصديقه أن لم يقبض الثمن من الموكل، كما لو لم يكن نقد الثمن للبائع فإنه يصدَّق في ذلك، لأن الأصل عدم قبضه من يد غيره دينًا وأمانة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015