فإنه إذا كان عالمًا بمآل هذا العقد صار قاصدًا للإتلاف، ولكن هذا مما يقدح فيما أشرنا إليه في العذر في اعتراضهم عن تخريج الخلاف في خطأ الوكيل في هذا. فإذا كان هذا الشراء لا يلزم الموكل فإنه يلزم الوكيل بمقتضى حكم إطلاق المعاملة بينه وبين البائع منه. فإذا لزمه ذلك فهل يمكن من استرقاق هذا العبد أم لا؟ فيه قولان: ذكر يحيى بن عمر عن عبيد بن معاوية أن هذا العبد يكون رقيقًا للوكيل الذي غرم ثمنه لكونه لا يجب عتقه عليه بأصل الشرع إذ لا قرابة بينه وبينه، ولم يجب العتق على ولد هذا العبد لكون العقد لم يلزمه ولم يقع عليه، وأشار يحيى بن عمر إلى أن هذا مقتضى قول ابن القاسم. وذكر يحيى بن عمر أن البرقي قال له: إن هذا العبد يعتق على الوكيل، وكأنه قدر أن الوكيل التزم عتقه لما اشتراه لموكله وهو عالم بأنه يعتق عليه وأنه لا يصح ملكه، فصار بهذا قاصدًا لعتقه عن موكله من مال نفسه، وعتق الإنسان عن غيره لازم.
وأشار بعض المتأخرين إلى أن مقتضى مذهب ابن القاسم كون هذا العبد يعتق كما يعتق عن المقارض أبو رب المال إذا اشتراه عالمًا بكونه يعتق على رب المال لما له من الشبهة باستحقاقه التصرف في هذا العبد بالبيع له والشراء، كما يعتق عبد الصغير إذا أعتقه أبوه عن نفسه ويغرم قيمته لولده لما له من شبهة التصرف في مال ولده، فأشبه عتق عبد نفسه عن نفسه أو عتق عبد ولده الصغير عن رجل آخر، فإنه ينفذ العتق ويطالب الأب بالقيمة ويقدّر، لما يملكه من شبهة التصرف في مال ولده، كأنه أعتق ملك نفسه عن نفسه أو عن غيره.
والذي أشرنا إليه، من استحقاق تصرف هؤلاء وكون ذلك شبهة، تختلف مراتبهم فيه، لكون الأب يملك التصرف في مال ولده ملكًا مطلقًا بحكم الشرع، والمقارض يملك التصرف في هذا العبد بالبيع له والشراء، والوكيل إنما يملك مقدار ما وكل عليه. في أمر هذا العبد.
ولو ادعى الموكل على الوكيل أنه اشتراه عالمًا بكونه ممن يعتق عليه لكان القول قول الوكيل لكون الموكل يدعي ما يوجب غرامة الوكيل، والأصل براءة