يلتفت في هذا إلى العرف والعادة التي يعلم منها قصد الموكل وما التزمه الوكيل في إطلاق هذا اللفظ. وقد قال بعض الأشياخ: إن العادة في عقود البيوعات ترك الإشهاد، فلا يضمن الوكيل ها هنا بتركا الإشهاد على عقد البيع، ولا مطالبة عليه إذا كانت السلعة الموكل عليها باقية في يديه، لكنه إن سلمها من غير إشهاد كان كالمتلف فيجب أن يضمن.
واختلفوا في ضمانه فقال الشيخ أبو محمَّد بن أبي زيد: يضمن قيمة السلعة.
وظاهر ما حكي عن ابن شبلون: أنه يضمن الثمن. وهو مقتضى ما وقع في المدونة. لأنه إنما ذكر في التعليل: إن ترك الإشهاد أتلف الثمن. فلولا أن مذهبه وجوب ضمان الثمن لما تعرض إليه في التعليل.
وقال غيرهما يضمن الأقل من الثمن أو القيمة. فإن كانت القيمة أقل ضمنها, لكون التلف في التعدي إنما وقع في تسليم السلعة من غير إشهاد، لا في العقد بغير إشهاد. فإن كان الثمن أقل لم يضمن أكثر منه لكونه قد لزم الموكل أخذه، وإن قصر عن القيمة تقصيرًا يتغابن الناس في مثله، فيقول الوكيل: لو أقر به المشتري لم يكن لك سواه، فأنا أقوم به عنه وإن جحده.
وقد ينبني القول على أن الوكيل ضامن الثمن على الإطلاق، على أحد القولين عندنا، فيمن استهلك سلعة وقفت على ثمن، فإنه يضمن الثمن الذي وقفت عليه، لكونه بغصبها أتلفه على صاحبها ومنعه منه. والغاصب يضمن ما منع على أحد القولين.
وعلى هذا الأسلوب يجري في إقرار المشتري بالشراء ومخالفته للوكيل في مقدار الثمن، مثل أن يقول الوكيل: بعتها منك بخمسين. ويقول المشتري: إنما اشتريتها منك بأربعين. فإنهما يتحالفان ويتفاسخان. وإذا وقع الفسخ بتحالفهما جرى الخلاف الذي قدمناه في تمكين الموكل من تضمين الوكيل للخمسين دينارًا التي أقر أنه باع بها وقد أتلفها بترك الإشهاد. وإذا أمرناهما