البائع المشتري من قبض المبيع، إلاّ أن يريد حصول القبض حسًا ووجودًا أو التمكين منه، ويرى التّمكين منه قبضًا، فيصحّ هذا النّقل عن المذهب.
على أنّ الاعتلال في نفسه ليس بالواضح. ويبعد أن يعتقد أحد من أهل المذهب أنّ حقيقة البيع هو التّقابض عن تعاوض.
وسبب هذا الاختلاف من جهة الظّواهر قوله - صلى الله عليه وسلم - (الخراج بالضّمان) (?) فقال البغداديّون، من أصحابنا: اتّفق على أنّ الخراج للمشتري بمجرّد العقد، وإن لم يقبض المبيع. فاقتضى هذا الظّاهر كون الضّمان منه لمكان الخراج له، لكونه عليه السلام علّق أحدهما بالآخر في هذا الحديث.
وأجاب بعض أصحاب الشّافعي عن هذا بأنّه (?) عليه السّلام إنّما يتضمّن كون من له الخراج عليه الضّمان. إلاّ أن يقلب هذا اللّفظ فيكون الحديث الضّمان بالخراج، فإنّه إذا قال: الضّمان يوجب الخراج، لم يقتض هذا الخطاب أن يعكس، فيقال وكذلك الخراج يتضمّن الضّمان ويدلّ عليه. وليس إذا قرن الشّيء بالشّيء وصحّ في الطّرد يجب أن يصحّ في العكس، وإنّما اشترط الطّرد والعكس في العلل العقليّة، ألا ترى أنّه لو قال قائل: كلّ مرسل نبيّ، لم يلزم من هذا لما علق الرّسالة بالنبوّة أن يكون كلّ نبيّ رسول.
ويتعلّق المخالفون بخبر آخر وهو ما ورد في الحديث من نهيه عن بيع ما لم يقبض وعن ربح ما لم يضمن (?). فكأنّه إنّما أشار إلى علّة النّهي عن بيع ما لم يقبض بأنّه إذا لم يقبض فلم يضمن.
وأجيب أيضأ بأنّ هذا لا يسلَّم كونه دليلًا على أنّ علّة النّهي عن بيع ما لم يقبض كونه لم يضمن، ونحن نقصر النّهي على الأطعمة المكيلة والموزونة، فإنّا لا نجيز بيعها قبل قبضها، ونجيز بيع العروض قبل قبضها بالأدلّة الّتي قدّمنا في موضعها.