ها هنا سؤالًا ذكره في المدوّنة في كتاب بيع الخيار. ونبسط ما تعلّق به في موضعه إن شاء الله تعالى.
وذلك أنّه ذكر في المدوّنة فيمن باع رقيقًا أو غنمًا على أنّه بالخيار إلى أن ينظر إليها فيرضاها أو يردّها. فذكر أنّه إذانظر إلى بعضها وسكت، ثمّ استوفى النّظر إلى جميعها. وقال: لا أرضى، فإنّ البيع لا يلزمه.
وذكر في الطّعام إذا نظر إلى بعضه فرضيه، ثمّ نظر إلى بقيّته فقال: لا أرضى، فإنّه تلزمه البقيّة إذا كانت على صفة ما رءاه فرضيه. لأنّ قوله لمّا رأى البعض: رضيتُه، وقد عقد على الكلّ، فإنّ قوله هذا كالنّطق بأنّه رضي بالكلّ.
ويعدّ قوله بعد هذا ندمًا منه.
وأشار بعض الأشياخ إلى أنّه لو قال في العبيد والسلع، وقد رأى بعضها: رضيتُه؛ فإنّه يلزمه البقيّة إذا كانت مثل ما رضي. ولا يقبل قوله، لمّا رأى البقيّة، إنّي لا أرضى. ولا عذر له بأن يقول: ظننت أنّ الّذي بقي خير مِمّا رأيت. ولو قبل هذا منه لكان الطّعام والسلع فيه سيّان في قبول هذا العذر منه.
وإنّما افترق الجواب لافتراق السؤالين.
وذلك أنّه ذكر في الطّعام أنّه رضي ببعضه، ولم يذكر رضاه بالبعض في السلع. فلو أسقط في آخر السؤالين، ما أسقطه في الآخر من الرّضا، أو أثبت في أحد السؤالين من الرّضا ما أثبته في الآخر، لاستوى الجواب فيهما.
وقد يقال ها هنا إنّ الطّعام مِمّا لا تختلف الأغراض فيه اختلافًا بيّنًا، فالرّضا ببعضه رضا ببقيّته إذا كانت على صفته. والعبيد والسلع تختلف الأغراض فيهما اختلافًا بيّنًا، وقد يظنّ قوم أنّ هذا العبد مثل هذا، ويختلف شأنهما عند آخرين اختلافًا بيّنًا.
ولو أراد البائع أن يُلزم المشتري مقدار ما رضي به من الطّعام، وأسقط عنه المطالبة بما بقي مِمّا قال: لا أرضاه، فإنّ هذا يجري مجرى من اشترى طعامًا فاستُحِقَ من يديه بعضه، فإنّ المستحقّ إن كان كثيرًا، وهو مقدار الثّلث