وهذا الخلاف في جناية الخطإ، أو جناية العمد، على الخلاف أنّها ليست بعلم على الرّضى. أمّا إذا قيل إنّها علم على الرّضى، فإنّ الواجب الثّمن, لأنّ المشتري إذا رضي بالقبول لزمه الثّمن وصار جانيًا على ملكه. وقد قيل: إنّ مراد ابن القاسم بإلزامه الثّمن، القيمة، كما قال سحنون. وهذا لا يقتضيه ظاهر قوله، بل اسم القيمة تدلّ على مقدار ما يساوي الشّيء المقوّم. والثمن يدلّ على ما وقع التّراضي بكونه عوضًا.
وقال بعض المتأوّلين: لعلّه إنّما ألزم الثّمن لمن رضي بالقبول قبل أن يجني. وهذا تأويل فيه تعسّف.
وقد اختلف المذهب عندنا فيمن استهلك سلعة وقفت على ثمن، هل يضمن الثّمن الّذي وقفت عليه أم لا؟ ولكن بعض أشياخي أنكر تخريج الخلاف في الجناية على ما اشترى بالخيار على الخلاف في مستهلك سلعة وقفت على ثمن. وأشار إلى أنّ المراد بقوله: وقفت على ثمن، ما تمالأ عليه جماعة من المشترين حتّى صار ذلك كالعاطل (?). وهذا الّذي أشار إليه لا يمنع أيضًا من أن يجري البائع بالخيار على ثمن سمّاه مجرى الممنوع بإتلاف المشتري ما اشتراه منه, لأنّه إذا باع السلعة بالخيار له بثمن التزمه مشتريها منه فأتلفها مشتريها منه، فإنّه قد منع البائع بإتلافه مِمّا كان من حقّ البائع أن يلزمه إيّاه.
ولو كانت الجناية من البائع والخيار له وقبل البائع العبد، فلا مطالبة للمشتري عليه, لأنّه كان قادرًا على فسخ البيع ومنع المشتري من المبيع.
فإذا كان الخيار للمشتري، والقتل خطأ وقع من البائع، فلا مطالبة للمشتري عليه, لأنّ المشتري لم يتقرّر له الملك فأتلفه عليه البائع فيطالب متلفه بما أتلف. لكن لو كان قتله البائع له محمدًا وقيمة العبد أكثر من الثّمن، لكان من حقّ المشتري أن يطالبه بزيادة القيمة على الثّمن، لكونه له عليه أن يوفّيه بما باعه منه، ويمكنه من قبضه. فإذا منعه من التمكّن منه والقبض، صار كالغاصب له.