أجل هذا التّدافع في الدّلالة على القصود (?) إذا عرض على ما قلناه يقع الإشكال. لكن بعض أشياخي مال إلى إنفاذ عتقه في عبده، لكونه قد علم أنّ أصل الملك له، وهذا الّذي علم من كون الملك له في الأصل يقتضي إنفاذ عتقه، ولا يرد مقتضى هذا الأصل بأمر محتمل ومشكل، ويقدّر أنّه لمّا أعتق الأمة، صار بعتقها ملتزمًا بتسليم ملك عبده لسيّدها، فإذا أعتق العبد، صار كمن أراد أن يملك الأمة بغير عوض، وهذا لا سبيل إليه.
وهذه المسئلة ينظر فيها، ينفذ عتق العبد لأجل هذا الّذي وقع فيه من تدافع الأحكام، فيغلَّب إيقاع العتق لحرمته، على ردّه. كما قيل فيمن قال: إن بعتك فأنت حرّ: إنّ الأحكام تتدافع أيضًا، ولكن مع تدافعها يغلّب إيقاع العتق إن شاء الله تعالى. وتعتق الأمة لكون بائعها سلّمها إليه ومكّنه من التصرّف فيها بحكم الخيار. وهذه مسئلة تعرض أيضًا على أصْلٍ سنبسطه، إن شاء الله تعالى. وذلك أنّ بيع الخيار مِمّا اختلف النّاس فيه.
وللشّافعي فيه ثلاثة أقوال، أحدها أنّ الملك ينتقل فيه بنفس العقد.
والثّاني أنّه مترقّب، فإن أُجيز البيع، كشف الغيب أنّ الملك لم يزل (?) من حين العقد، وإن فسخ العقد، كشف الغيب أنّه باق على الملك الأوّل كما كان.
والقول الثّالث أنّه إنّما ينتقل بانقطاع الخيار في عقد متقدّم.
ومذهبنا نحن يتخرّج فيه اختلاف سنذكره إن شاء الله تعالى.
وأبو حنيفة يرى أنّ الملك لا ينتقل إلاّ بانقطاع الخيار، إلاّ أن يكون الخيار للمشتري، فيقدّر المبيع غير مملوك للبائع لكونه قد جعل الخيار فيه لغيره، ولا مملوك للمشتري أيضًا لأنّه لم يختر الإمضاء.
والشّافعيّة تفرّع هذه المسئلة على الثلاثة مذاهب، فتقول: إن قلنا بأحد الأقوال الثّلاثة، فجميعها يقتضي نفوذ عتق البائع إذا كان الخيار له، لكون