وقد أُمسِك عوض هذه الحصّة، فوجب للمشتري المطالبة بثمن ما أُمسِك له، فإذا مات قبل المطالبة فإنّما مات عن مال، وهو الّذي يقابل هذا الجزء النّاقص، ومن مات عن مال ورث عنه، وفي البيع بالخيار والشّفعة والوصيّة لم يمت عن مال ثبت له، فلهذا لم يورث عنه.
وكذلك أصحاب أبي حنيفة يعتمدون أيضًا على قياس، فيقولون: إنّ الثّمن إذا كان مؤجّلًا على المشتري، فإنّ الملك من توابع العقد، كما أنّ الخيار من توابع العقد، فإذا مات من اشترى بثمن إلى أجل، حلّ الثّمن عليه، ولم يرث ذلك عنه ورثته فيؤجّل عليهم، فكذلك الخيار لا يورث أيضًا.
ويجيب أصحابنا عن هذا بأنّ الثّمن المؤجّل إنّما أوجب حلولَه كونُ المشتري إنّما عامل ذمّة، فلا يلزمه التنقّل إلى ذمّة أخرى لم يعاملها، مع كون الله سبحانه قدّم قضاء الدّين على الميراث، فلا يصحّ أن يمكّن الورثة من وراثة هذا المال، وعلى الميّت دين، وإذا لم يمكّنوا من ذلك فلا فائدة في إيقافه وجب (?) حلوله، واستعجل لهم ميراث ما فضُل عن الدّين.
فإذا تقرّر هذا وأنّ الخيار يورث، فإنّ المشتري بالخيار إذا مات وخلّى وارثأواحدًا يرث المال كلّه، فإنّه يحلّ محلّه، فيخيّر بين قبول المبيع كلّه أو ردّه كلّه. فإن ترك ورثة فاتّفقوا على ردّ أو قبول، كان ذلك من حقّهم، كما كان ذلك من حقّ من ورثوا هذا الخيار عنه. فإن اختلفوا فاختار بعضهم إمضاء الشّراء، واختار الآخرون ردّه، فإنّ من حقّ البائع من المتبايعين أن يمنع من هذا التّبعيض، وقد باعها على الكمال، وذلك ضرر به. فإن رضي بهذا التّبعيض وقبل نصيب من ردّ عليه، كان له المطالبة لمن التزم الشّراء بما ينوب نصيبه من الثّمن. ولا مقال ها هنا للملتزم الشّراء لكونه قد وصل إلى غرض، واستكمل جميع حقّه في الميراث. فإن لم يرض البائع بهذا التّبعيض كلف من اختار الإجازة أن يردّ ما في يديه حتّى يستكمل البائع جميع المبيع، لئلاّ يتبعّض عليه.