يشترط التّعيين في المرضعة والرّضيع، بأن يَرضَع في هذه الأمة بعينها ولدها هذا بعينه. أو يكون معيّنًا هذا الأمر في أحد الشّخصين، ومضمونًا في الآخر. فإنْ عيّن هذا الشّرط في الأمّ وفي الولد إذا مات، على أنّ الحكم في الظئر المستأجرة أن تنفسخ الإجارة بموت الولد، ولا يلزم الخلف، ولا يُشتَرط، لكنّه ها هنا لمّا رأى أنّ تعليق هذا الأمر بعتق هذا الولد يقتضي غررًا في ثمن هذا المبيع، والغرر في الثمن يفسد البيع. وتصوير هذا الغرر أنّ الولد قد صار رضاعه جزءًا من ثمن هذه الأمة، وهذا الجزء لا يحصل (?) مقداره لجواز أن يموت الولد في أوّل زمن الرّضاع، فيقلّ الثّمن، أو في آخره فيكثر الثّمن.
فاعتبار إصلاح فساد هذا البيع ودفع الغرر عنه أولى من اعتبار إِجْرَاء هذا ها هنا على أحكام الظئر من كون الإجارة تنفسخ بموت الولد، مع كون الأصل أنّ المستأجَر عليه لا يتعيّن، وإنّما عيّن في الظئر وما في معناها لعلل نذكرها في كتاب الجعل والإجارات إن شاء الله تعالى. وهذا الّذي نبّهنا عليه يعرف منه وجه الحكم في اشتراط تعيّن أحدهما.
فأمّا اشتراط تعيين الأمّ فإنّه الأصل في أحكام الإجارة, لأن المستأجر
يتعيّن، ولا يجوز اشتراط خلفه مع كون العقد على معيّن.
وأمّا تعيين الولد فقد ذكرنا أنّ الأصل فيه أنّه لا يتعيّن وإنّما عيّن في الظئر لما سنذكره من العلل في موضعه، وأنّ تعيينه في بيع هذه الأمة يتضمّن غررًا في ثمنها، والغرر في الثّمن ممنوع.
وهذا الّذي ذكرناه وصوّرناه من الغرر إنّما يتصوّر إذا وقع الشّرط على تعيين الولد، وعلى أنّه إن مات لم يخلف ولد آخر مكانه، ولا تجب المحاسبة ومرجع ما سقط من الرّضاع في الثّمن. وأمّا إذا بُني الأمر على أنّه إن مات الولد، وجبت المحاسبة بمقدار ما سقط من الرّضاع، فإنّه لا يُمنَع ذلك لارتفاع ما صوّرناه من الغرر. وقد اتّفق أهل المذهب على جواز استئجار ظئر للرّضاع