وذلك يكون على قسمين أيضًا، أحدهما: أن يكون معنى من معاني البرّ،
والثاني: ألاّ يكون فيه معنى من معاني البرّ.
والّذي من معاني البرّ على قسمين: إمّا أن يكون معجّلًا أو مؤجّلًا.
فإن كان من معاني البرّ التّي تقع في الملك وهو أمر معجّل، فهي المسألة التّي نحن بصددها، وهو أنْ يبيع عبده على أن يعتقه المشتري. وقد اختلف النّاس في هذا البيع. فذهب مالك والشّافعي إلى جوازه وجواز ما قارنه من الشّروط. وذهب أبو حنيفة إلى فساده والمنع من عقده. لكنّه مع ذهابه إلى فساده قال: إنّه إذا فات الأمر فيه، مضى بالثّمن. وقال صاحباه: بل إنّما يمضي بالقيمة كسائر البياعات الفاسدة التّي ذهبا هما وشيخهما أبو حنيفة إلى أنّ الواجب فيها إذا فاتت القيمة. فأبو حنيفة يحتجّ على فساد هذا البيع بما قدّمناه عنه من أنّه عليه السلام نهى عن بيع وشرط (?). والنّهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه، كما قدّمنا ذكره وذكر تفصيل الخلاف فيما سلف. ويحتجّ أيضًا بأنّه مبيع قصر المالكُ فيه عن اختياره في التصرّف الواجب له بحقّ الملك، فأشبه من باع جارية على ألاّ يطأها مشتريها، أو على ألاّ يهبها, ولا يبيعها. ونحن والشّافعي نردّ عليه بحديث بريرة، وهو قد ورد متضمّنًا لمعنى هذه المسألة التّي اختلفنا فيها. وذلك أنّه ذكر فيه أن بريرة أتت عائشة، رضي الله عنها، فسألتها أن تعينها في كتابتها، وشكت إليها كون الأداء أعياها، فقالت لها عائشة، رضي الله عنها، ما ذكر في الحديث عنها وعن التابعين وعن النبيّ عليه السّلام. ثمّ مع هذا أمضى عليه السلام الشّراء، وأبطل اشتراط الولاء. ولا معنى لقولهم: إنّ الّذي جرى في الولاء إنّما كان قبل انعقاد البيع, لأنّ ظاهر الخبر أنّ البيع عليه وقع. وكذلك لا حجّة لهم يكون الخبر متروك الظّاهر لأنّه تضمّن جواز بيع المكاتب, لأنّا نتَأوّله على أنّها عجزت فبيعت. وكذلك لا مستروح لهم في أمره عليه السّلام لها بأن تشترط لهم الولاء، مع كون ذلك لا يجوز، لكونه قد قيل: (لهم) ها هنا