الآبق حتّى حصل في يديه قولان: فقيل: يرجع بذلك على البائع لكونه أنفق على من لا ملك له عليه، ولا يستحقّ أن يُقَرّ في يديه، ولولا هذه النّفقة ما حصل عليه بائعه ولا رجع إليه. فكان للمنفق الرّجوع بهذه النّفقة لمّا أنفقها على ما هو في ضمان بائعه حين الإنفاق، كما أنفق، عند بعض أشياخي، على أنّ (?) من اشترى ثمرة قبل الزهوّ بشرط التّبقية فسقاها وعالجها، فإنّه إذا فسخ عقده رجع على البائع بقيمة ما سقى وعالج، لمّا كانت نفقته هذه على ما ضمانه من بائعه، ولم يتحقّق له ملكه، فكذلك الآبق.
بخلاف من اشترى نخلًا مجرّدة من الثّمر شراء فاسدًا فأثمرت عنده ولم تطب، فإنّ البيع إذا نقض في النّخل ووجب ردّها إلى بائعها، ردّت معها الثّمرة الّتي لم تطب، لكونها بعد الطّياب غلّة، والغلّة للمشتري وهي قبل الطّياب ليست بغلّة، بل هي كبعض أجزاء النّخل، فوجب ردّها مع النّخل. إذا وجب ردّ هذه الثّمرة، ففي رجوع المشتري بقيمَة ما أنفق في السقي قولان في المذهب: أحدهما أنّه لا رجوع له, لأنّه أنفق على ما هو يملكه وله فيه شبهة الملك، ومن أنفق على ملكه لا يرجع به على أحد. ألا ترى أنّ من اشترى عبدًا شراء صحيحًا فأبق له ثمّ أنفق نفقة في استرجاعه ثمّ استحقّ من يديه أو ردّه بعيب، فإنّه لا يرجع على بائعه بهذه النّفقة لأنّه أنفقها على ملكه فيما يعتقد، وعلى ما ضمانهُ منه، والبائع لم يأذن له. بخلاف من اشترى آبقًا شراء فاسدًا فأنفق عليه حتّى حصل في يديه، فإنّ البائع يقدّر هنا كالآذن له في النّفقة.
ولو خرج رجل بعبد رجل آخر من بلد الحرب، لكان له ما أنفق عليه. ولو خرج به وقد وهب له، فإنّه يرجع أيضًا بما أنفق عليه لأنّه أنفق على ملك غيره، بدلالة أنّه لو أعتقه لم ينفذ عتقه فيه، وما ذلك إلاّ لكونه باقيًا على ملك صاحبه. ولو اشتراه من بلد الحرب فأنفق عليه حتّى خرج به، لم يرجع بما أنفق, لأنّه لو أعتقه لنفذ عتقه فيه كما ينفذ عتقه في عبده الّذي ملكه ملكًا محقّقًا.