طريقه المكايسة. لكن قد ذكر اختلاف في جواز المقاصة بين ذهبين متساويين في الجنس والسكّة. وأجاز ذلك في المدوّنة على الإطلاق، ومنعه ابن نافع إلاّ بشرط أن يحلّ أجل الذّهبين، وروي أيضًا عن مالك منعه إذا اختلف الأجل، وتوقّف فيه إذا تساوى الأجل على ما سنذكره بعد هذا. فبعض الأشياخ يجري هذا الخلاف الّذي ذكرناه في جواز المقاصّة بين ذهبين وفي جواز المقاصّة بين طعامين قرضين لكون الذّهب يجوز بيعه قبل قبضه، والطّعام يجوز بيعه قبل قبضه إذا كان قرضًا، ولا يحلّ النّساء في بيع الذّهب بالذّهب والطّعام بالطّعام.
ورأى إجراء الخلاف المذكور في الطّعامين بأن يكون أحدهما من قرض والآخر من سلم. فمذهب ابن القاسم المنع إلاّ بشرط أن يحلّ أجل الطّعامين جميعًا.
واختلف قول أشهب، فروي عنه الجواز إذا حلاّ جميعًا أو حلّ أحدهما. وروي عنه التقييد في ذلك بأن يكون الّذي حلّ منهما هو السلم. وأجاز ابن حبيب المقاصّة إذا اتّفق الأجلان وإن لم يحلاّ جميعًا. وقد قدّمنا لك من التّنبيه على علل المنع والجواز في هذا الباب ما يجري في هذا الخلاف. وذلك أنّا ذكرنا أنّ الطّعامين إذا كانا سلمين، منعت المقاصّة من أجل أنّ كلّ واحد منهما بُني الأمر فيه على المكايسة وقصد المبايعة. وإن كانا قرضين جازت المقاصّة لكون كلّ واحد منهم ابن ي على المعروف، فإذا افترق حالهما في هذا، فكان أحدهما، وهو السلم، بني على المكايسة، والطّرف الآخر، وهو القرض، بني على المعروف. فغلّب ابن القاسم حكم المعروف على حكم المكايسة بشرط أن يحلاّ, لأنّهما إذا حلاّ، ارتفعت الأغراض، وإذا كانا لم يحلاّ أو حلّ أحدهما، تصوّرت الأغراض لأجل اختلاف الذّمم، فوجب المنع. ورأى ابن حبيب تغليب حكم المعروف، فأجاز ذلك وإن لم يحلّ إذًا الآجال (?) لتقارب الأغراض مع تساوي الآجال. ورأى أشهب أنّ بحلول أحدهما يمنع من تصوّر تباعد الأغراض, لأنّ ما حلّ قد أُمِن على الذّمّة فيه، وما لم يحلّ، فإنّه وإن لم يؤمن على الذّمّة فيه، فإنّه لا يقابل هذا التّخوّف على الذّمّة التخوّفَ على ذمّة