قولنا حيوان ينطلق على أشياء متباينة: كالإنسان، والفرس، والطائر. وصفات الإنسان وشكله الذي فارق به الفرس والطائر، لازمة له. فلو فارقته لفارق كونه إنسانًا، فهذا هو الرسم الصحيح الذي يجب أن نرسم به المعنى، الذي قصدوا هم إليه. وأما على قولنا: أن الجنس هو الشبه والمثل، فليس هذا بحد للفظ الدال على هذا المعنى. والكلام في حد المثل مبسوط في كتب الأصول، لا حاجة بنا إلى ذكره ها هنا.
والجواب عن السؤال الثاني: أن يقال: أما النوع فقد حده من ذكرناه من الفلاسفة أيضًا، بأنه اللفظ المقول على كثيرين مختلفين بالشخص. وهذا أيضًا يفسد بنحو ما أفسدنا به الأول أيضًا. لأن هذا إنما هو حد اللفظ الدال على النوع. واللفظ غير النوع. ويفسد أيضًا بقولهم على كثيرين مختلفين بالشخص. لأن الأعراض ليست أشخاصًا. وقولنا -سواد- هو نوع وليس بشخص. والصواب في هذا أن ترسم العبارة الدالة على النوع الذي قصدوه: بأنها القول الشامل لمسميات تتباين بالتغاير خاصة. ألا ترى أن قولنا إنسان يطلق على زيد وعمرو وبكر، ولا تباين بينهم في المعنى الذي كان به كل واحد منهم إنسانًا وإنما تباينوا بالتغاير؛ لأن زيدًا إنسان وعمرو إنسان.
قال القاضي رحمه الله: لما ذكر جنس الطهارة أولًا، ذكر نوعها، وهكذا يقتضي الترتيب أن من بيّن الجنس بيّن النوع. وهذا الذي دعانا نحن إلى بيانهما لتكمل فائدة الكتاب.
والجواب عن السؤال الثالث: أن يقال:/ أما الوضوء فله تفسيران لغوي وشرعي. فأما اللغوي: فهو النظافة. ومنه قيل وجه وضيء بمعنى سلامة محاسنه مما يشين. وأما الشرعي فهو تطهير أعضاء مخصوصة بالماء؛ لأن ذلك مما ينطفها ويرفع أيضًا حكم الحدث المانع من التقرب إلى الله سبحانه.
*ما منع من التقرب إلى الله تعالى سبحانه * (?) .. فإن "الوضوء" (?) في معنى النظافة والشرع لم ينقل اللغة ها هنا وإنما قصرها في العرف على بعض ما وضعت له.