مذهب أبي حنيفة وأنه لا يرى الشهادة تثبت به. ولكن ميّز البالغ. وتكلمنا على سبب الاختلاف في ذلك هناك. وإذا وضح ما قلناه في الحكم في الشك في حياة الشهيد ... وقال أشهب في القوم بأرض العدو يجدون شهيدًا فلا يدرون من قتله يغسل ويصلى عليه. وقال سحنون إذا رموهم بأحجار أو نار فوجدوا في المعترك من قد مات ... حتى يظهر خلاف إن كان وقع بينهم لقاء أو حرب أو مراماة. فإن كان أشهب قصد الذي حكيناه عنه أنه يصلى على من لم يدر قاتله.
وإن كان هناك لقاء أو مراماة فهو خلاف لما حكيناه عن سحنون. وقد كان أشهب رأى أن الأصل ثبوت الصلاة على الشهيد. ونحن على شك في هذه القتلة هل هي مما يسقط الصلاة أم لا؟ بل استصحب الأصل في وجوب الصلاة عليه. ورأى سحنون أن الغالب أن الإنسان لا يقتله قومه ومن يقاتل معه. بل الغالب أنه إنما يقتله العدو ... القتلة بحكم قاتلها غالبًا. وأجرى الظن مجرى اليقين في تحقق الشهادة. هذا إن قصد أشهب أن ما ذكرناه كان اختلافًا محققًا وإن كان لم يتكلم على قتيل واحد وجد من غير ملاقاة ولا مراماة. فليس بمخالف لقول سحنون. وقد قال أصحاب الشافعي إذا انكشف الصفان عن رجل مقتول لم يغسل ولم يصل عليه سواء كان به أثر أو لم يكن. وظاهر هذا كظاهر ما حكيناه عن سحنون. وقال أبو حنيفة وابن حنبل إن لم يكن له أثر غسل وصلي عليه. وإن خرج منه دم فإن كان من عينيه أو من أذنيه أو من رقبته لم يغسل. وان خرج من أنفه أو دبره أو ذكره غسل وصلي عليه. فكأنهما رأيا مع وجود الأثر يتحقق كونه مقتولًا ومع عدمه يمكن أن يكون مات حتف أنفه فلم تتحقق له الشهادة. لكن الذي ذكر من تفصيل مخارج الدم لا يظهر لي الآن فيه وجه محقق ..
والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: إنما نبه على قوله في ثيابه لاختلاف الناس في ذلك. فنحن وأبو حنيفة لا نرى أنه تبدل ثيابه. وقالت الشافعية إنه بالخيار إن شاء دفنه في ثيابه وإن شاء دفنه في غيرها تعلقًا منهم بأن صفية بنت عبد المطلب بعثت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بثوبين يكفن فيهما حمزة رضي الله عنه. فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلًا آخر. ونحن ننفصل عن هذا بأن