شرح التلقين (صفحة 1122)

عدم الحياة يقتضي النجاسة. فأما الآية ففيها ثلاثة أجوبة. أحدها أنه لا يسلّم وقوع اسم الميتة على الإنسان. وإنما هي تسمية واقعة على ما مات من الحيوان البهيمي حتف أنفه. والثاني أنا لو سلمنا وقوع التسمية عليه لم يسلم كون التحريم يقتضي النجاسة لأن المراد بقوله حرمت عليكم الميتة أي أكلها. وأما النجاسة فلا تفهم من هذا اللفظ. والثالث أنا لو سلّمنا انطلاق التسمية على الإنسان. وكان التحريم يفيد النجاسة لخصصنا هذا الظاهر بما قدمناه من الأدلة. وأما استدلالهم بعدم الحياة فإن مجرّد عدم الحياة لا يقتضي النجاسة.

ألا ترى أن الشاة المذكاة طاهرة مع عدم الحياة، والخشاش طاهر وإن مات حتف أنفه. وإنما يكون الموت يقتضي النجاسة إذا كان على صفة وشرط. فإذا كانت العلة ذات أوصاف فلا يثبت الحكم عند انفراد أحد أوصافها. والإنسان وإن منع أكله حال حياته فإن ذلك لحرمته لا لنجاسته. وكونه حيًّا يقتضي كونه طاهرًا. وإذا مات يقتضي هذه الحرمة وأنزل منزلة الحي. ألا ترى ورود الخبر بأن كسر عظمه ميتًا ككسره حيًّا (?)، وهذا تنبيه على بقاء حرمته بعد الموت. وقد مال بعض أصحابنا البغداديين إلى أنه لو قطع من الميت عضو لكان ذلك العضو طاهرًا لمكان الجملة التي هذا العضو جزء منها. ظاهره بخلاف لو قطع من الحي عضو فإن ذلك العضو نجس لأن الحي ذو نفس سائلة. وحياته سبب طهارته فإذا فارق هذا العضو الحياة فارق حكم الطهارة. والعضو المقطوع من الميت لم يتبّدل حاله ولا فقد ما هو سبب للطهارة فيكون نجسًا.

ورأيت بعض المتأخرين من أصحابنا ساوى بين الكافر الميّت والمسلم الميت في الطهارة لاستوائهما في كثير من الأحكام المناسبة لهذا المعنى. وأنت إن تأملت ما استدللنا به على طهارة الميت تجد بعضًا يختص بالمسلم كقوله - صلى الله عليه وسلم -: المؤمن من لا ينجس (?). وما حكيناه عن ابن عباس من قوله: لا ينجس المسلم حيًا ولا ميتًا. فقيد كلامه بالمسلم. وهذا يشير إلى كون الكافر بخلاف ذلك. فإذا وضح هذا الاختلاف في نجاسة الميت فقد قال أشهب إذا فرغت من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015