بقول مالك في المدونة ليس لغسل الميت حدّ معلوم يغسلون وينقون، ولم يلتفتوا إلى ما حكاه عنه ابن وهب في آخر الباب من استحبابه ثلاثًا أو خمسًا. وقال أبو حنيفة إن زاد على الخمس لم يستحب الوتر تعلقًا منه بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما زاد على الخمس أو أكثر إن رأيتن (?). ولم يقدر الأكثر بكونه وترًا. ومحمله عندنا على أن أكثر يكون وترًا على أسلوب ما تقدم ذكر عدد من الغسلات (?). ويؤكد ما قلناه أنه - صلى الله عليه وسلم - نقل من الثلاث إلى الخمس. فلو كان لا يعتبر الوتر لذكر الرابعة قبل الخامسة. وأيضًا فإنها طهارة متكررة. وما تكرر من الطهارات شرع فيه الوتر كالوضوء وغسل الإناء من ولوغ الكلب. وقوله أكثر من ذلك يقتضي الردّ على من قال: لا يزاد على السبع. لأنه لمّا قال اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتنّ، ولم يقل ما لم يجاوز السبع، بل أطلق الأكثر. وإطلاقه يقتضي ألا يكون أكثر محدودًا.
قال ابن حبيب: ولا بأس عند الوباء، وما اشتد على الناس من غسل الموتى لكثرتهم أن يجتزأ فيهم بغسلة واحدة بغير وضوء، ويصبّ الماء عليه صبًّا. ولو نزل الأمر الفظيع الذي يكثر فيه الموتى جدًا. وموت الغرباء. فلا بأس أن يقبروا بغير غسل إذا لم يوجد من يغسلهم. ويجعل منهم النفر في قبر واحد. وقاله أصبغ وغيره من أصحاب مالك. وروي عن الشعبي قال رمسوهم رمسًا. وهذا الذي قاله ابن حبيب صحيح إذا لم يوجد من يغسل. لأن الواجب المتفق عليه يسقط بالعجز عنه فكيف بهذا المختلف فيه الذي قدمنا قول الشيخ أبي محمَّد بن أبي زيد رضي الله عنه.
والجواب عن السؤال الرابع: أن يقال: المشروع عندنا وعند أبي حنيفة تجريد الميت للغسل ولا يغسل في قميص قياسًا على الحيّ. وقال الشافعي بل المستحب أن يغسل في قميص لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - غسل في قميص. وقال سعد ابن أبي وقاص إذا أنا متّ فاصنعوا بي ما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويفارق الحي لأن الحي يتولى غسله بنفسه. وها هنا يتولى غسله غيره، فغسله في القميص أستر