وأنتم قد مطرتم وزرعتم عليه زرعًا كثيرًا. فقال ما قالوا شيئًا ولا بأس بذلك (?). وإذا جاء من الماء ما هو دون الكفاية لكان لهم الاستسقاء. والسؤال في الزيادة. قال مالك وكل قوم احتاجوا إلى زيادة ما عندهم فلا بأس أن يستسقوا. وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا استسقاء المخصبين للمجدبين. لأنه سبحانه قال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (?). وقال عليه السلام في حديث الرقية: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل (?). وقال دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة (?). وقد روى بعض أشياخي أن هذا مما يندب إليه. وأن الاستسقاء للتوسعة مباح ولحياة الزرع أو عطش الحيوان سنة. وفي استسقاء المخصبين للمجدبين عندي نظر. والظواهر التي ذكروها لا تتضمن إقامة صلاة الاستسقاء ليسقى قوم آخرون غير المصلين. وإنما تحمل الظواهر على الدعاء لهم والرغبة إلى الله سبحانه في رفع اللأواء عن سائر المسلمين. ولا شك أن دعاء المخصبين للمجدبين مندوب إليه. وأما إقامة سنّة صلاة الاستسقاء في مثل هذا فلم يقم عليه دليل. وليس كل ما أمر الشرع بالدعاء فيه والابتهال سن فيه الصلاة. ألا ترى أن المطر إذا أضر، دعا الناس بالاستصحاء وسألوا الله تعالى فيه ولم يقيموا له صلاة كما أقاموها للاستسقاء. ولم يستعمل في هذا القياس.
وإن كان المطر إذا أفرط أضرّ كما يضرّ القحط وأفسد الزرع والربيع. وقد تقدم في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى ولم ينقل أنه صلى لذلك. فإذا ثبت ما قلناه في الاستسقاء وسنته فإنه يفعل لري نهر تأخر كما يفعل بنزول الغيث. قال ابن حبيب ولا بأس أن يستسقي أيامًا متوالية ولا بأس أن يستسقى في إبطاء النيل.
قال أصبغ قد فعل ذلك عندنا بمصر خمسة وعشرين يومًا متوالية يستسقون على سنة الاستسقاء. وحضر ذلك ابن القاسم وابن وهب ورجال صالحون فلم ينكروه. وقد يحتج لجواز التكرير بقوله - صلى الله عليه وسلم -: يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل.