كلما كبّر في خطبته وينصت له ويستقبل وليس من تكلم في ذلك كمن تكلم في الجمعة. وإذا أحدث في الخطبة أو في خطبة الاستسقاء تمادى لأنها بعد الصلاة. قال مالك في المبسوط يستفتح الإِمام الخطبة إذا صعد بالتكبير. قال ومن السنة أن يكبّر تكبيرًا كثيرًا (?). ثم في الثانية أكثر من الأولى. وقال المغيرة في المبسوط كنا نعد الإكثار من التكبير عيًّا. ويستراح إليه في الخطبة. ولم ير المغيرة أن يكبّر الناس بتكبير الإِمام فيها. وفي مختصر ابن شعبان وينصت للإمام في خطبة العيدين ولم يبلغنا في ذلك مثل الذي بلغنا في الجمعة.
والجواب عن السؤال الخامس: أن يقال: إنما استحب أن يرجع في العيدين من غير الطريق التي أتى منها إلى العيد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك.
وقد تكلم الناس في تعليل فعله هذا، وإظهار الغرض الباعث عليه. فقيل إنما فعل - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأنه كان يتصدق في ذهابه. فقال بعض أصحاب هذه المقالة كانت صدقته تفرغ (?) فيعدل إلى طريق أخرى لئلا يعاود في المسألة. وقال بعضهم بل كان يعود من طريق آخر ليتصدق على من بها من المساكين أيضًا. وقيل إنما فعل ذلك ليتقسم الناس على الطريقين فتخف مضرة الزحام بهم. وقيل إنما فعل ذلك ليحصل الفضل للطريقين. وقيل ليتبرك به أهل الطريقين. وقيل ليكثر ثوابه بكثرة الخطى. وقيل مبالغة في المباهاة وإظهار كثرة الناس. وقيل لئلا يكمن له المنافقون في الطريق التي رأوه سلكها. وهذه كلها أسباب يمكن أن يكون كل واحد منها هو الغرض الباعث على ما فعل. وقد تجتمع منها أسباب يكون جميعها باعثًا على ذلك. ولكنها تتفاضل في القرب من الإمكان والبعد منه مع كون بعضها قد يعدم في بعض البلاد وبعض الأزمان. فقد يستلوح منه ارتفاع الاستحباب عند ارتفاع سببه، إذا قيل بزوال الحكم لزوال علته. وهذا مما لم ينقل عن أصحاب المذهب ولا عن هؤلاء المعللين. ولأجل هذا وكون هذه التعاليل لم يقم عليها دليل أشار القاضي أبو محمَّد في غير كتابه هذا إلى ضعفها. فذكر أنه علل ذلك بتعاليل كلها دعاوى فارغة، وأن المعتمد عدى الاقتداء والإتباع.