فأما المزني فاحتج بأنه عليه الصلاة والسلام أخّر يوم الخندق أربع صلوات ولم يصل صلاة الخوف. وأجيب عن هذا بأنها لم تكن نزلت يوم الخندق أو بأنه لم يتمكن من إقامتها على حسب ما سنذكره في صلاة المسايف.
وأما أبو يوسف فاحتج بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} (?). فشرط في إقامتها كونه عليه الصلاة والسلام موجودًا يقيم الصلاة.
وهو الآن - صلى الله عليه وسلم - ليس بموجود يقيم الصلاة. فلم يصح أن تصلّى لفقدان الشرط. فأجيب عن هذا بأنه لم يقصد بالآية تخصيصه لهذا الحكم - صلى الله عليه وسلم - وإنما القصد بها تعليمه وتعليم أمته صفة هذه الصلاة. وقد قال تعالى: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ}. وخاطب أمته بفعل صلاة، فلا يكون هذا تصريحًا بقصر (?) ذلك عليه الصلاة والسلام. وقد أنكرت الصحابة رضوان الله عليهم حجة من احتج من مانعي الزكاة لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (?). وإن هذا خطاب بالأخذ يخص النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس لغيره أن يأخذها. ورأت الصحابة أن هذا لا يكون تخصيصًا. وأن من بعده يؤمر بمثل ما أمر به. ويرد قوليهما جميعًا، أن عليًا، رضي الله عنه صلى ليلة الهدير (?) صلاة الخوف. وصلّى أبو موسى بأصحابه.
وكان سعيد بن العاصي على جيش حرب طبرستان، فقال: أيكم صلّى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف؟ فقال حذيفة أنا. فقدمه فصلّى بهم صلاة الخوف، ولم يظهر (?) أحدٌ من الصحابة خلافًا في ذلك. فصار هذا كالإجماع على رأي بعض أهل الأصول. وأيضًا فإن من المصلحة الاجتماع على إمام واحد، وإظهار فضيلته بالاجتماع عليه. فإذا صلى طائفتان بإمامين، فصلى كل طائفة الصلاة التامة على مذهب أبي يوسف بطلت هذه الحكمة والمصلحة، التي في الاتفاق على إمام واحد. فإذا وضح ما قلناه في أن حكم صلاة الخوف باق إلى الآن،