في حق بعيد الدار وذكرنا اضطراب أصحابنا في ميقات منع السفر في حق بعيد الدار. وسنعيد الكلام عليه بعد هذا. وإذا ثبت أن النداء يمنع البيع على الجملة فهو النداء الثاني الموقع والإمام على المنبر. قال مالك في العتبية النداء الذي يحرم به التبايع يوم الجمعة النداء والإمام على المنبر. وأنكر منع الناس البيع قبل ذلك. وقد جعل ابن عبد الحكم النداء الثاني واجبًا لما يتعلق به من الأحكام من وجوب السعي ومنع البيع. وقد ذكرنا أن بعيد الدار قد يحرم عليه البيع قبل هذا النداء. وقد يصادف النداء الأول وقت تحريم البيع في حق من كان بُعْد داره يوجب عليه السعي وقت الآذان الأول. وإذا ثبت ما قلناه من تحريم البيع، فالبيع قبل الوقت الذي حددناه سائغ. قال في مختصر ابن شعبان: ولا بأس بكينونة (?) الرجل في سوقه إلى أذان الجمعة. قال ابن شعبان يريد كما فعل عثمان رضي الله عنه. وهو الأمر الذي كان عليه الصدر الأول لا يجتنبون البيع يوم الجمعة بل يستحبون ذلك ويرغبون فيه خلافًا لليهود فيما يصنعون في سبتهم. وقد أذن الله سبحانه في ذلك إلى النداء لها (?) ثم أذن به بعد الفراغ منها كما قال جل ذكره. وأما ترك العمل يوم الجمعة فقد كرهه مالك وكان بعض الصحابة يكرهه. وقال ابن حبيب عن أصبغ من ترك من النساء العمل يوم الجمعة استراحة فلا بأس. ومن تركه منهن استنانًا فلا خير فيه.
وإذا ثبت منع البيع يوم الجمعة فهل يفسخ إذا وقع أم لا؟ عن مالك في ذلك روايتان: قال في المدونة يفسخ. وقال في المجموعة البيع ماض وليستغفر الله. وفي الثمانية عن ابن الماجشون إن كان قوم اعتادوا البيع ذلك الوقت فسخت تلك البياعات كلها (?) وإن لم تكن عادة زجروا عن ذلك ولم يفسخ.
فإن قلنا بأن البيع يفسخ فما حكمه إذا فات بتغير الأسواق وغير ذلك مما يفيت البيع؟ فيه قولان: أحدهما أنه يمضي بالثمن وهو قول المغيرة وسحنون.
قال ابن عبدوس لأن فساده في عقده لا في ثمنه كالنكاح يفسد لعقده. والقول