فدور الفقيه أنه معرف لأحكام الله، وأنه لا تتحقق التقوى ولا العمل الصالح إلا إذا كان المكلفل ينجز ما ينجزه في حدود الضوابط المستندة إلى الوحي.
والأخذ من نصوص الوحي قرآنًا وسنة لا يتم إلا بتعاضد النقل والعقل.
فالنص هو الخزانة والعقل هو المفتاح الذي يفتح أبوابها، ويكشف ذخائرها ويبرز لبابها. فليس الفقه محصوراً في دائرة الرواية والنقل، ولا هو منفلت مع مجاري النزعات المختلفة لأهل العقل. ولكنه ثمرة تعاضد الأصلين. ولذلك نوه بقيمته سيد المرسلين. لما قال "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" (?).
يقول الإِمام الغزالي "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع".
واصطحب فيه الرأي والشرع. وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل، فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول، بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول. ولا هو مبني على محض التقليد، الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد. ولأجل شرف علم الفقه وسببه، وفر الله دواعي الخلق على طلبه. وكان العلماء به أرفع العلماء مكاناً. وأجلهم شأناً، وأكثرهم أتباعاً وأعواناً (?).
ولما تعلقت إرادته العليا سبحانه بأن يكون سيدنا محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
خاتم الأنبياء والمرسلين، لا يطمع أي إنسان أن يسعف بوحي مستأنف جديد بعده، وأراد أيضاً أن يكون الإِسلام الدين الخاتم الذي يرتضيه إلى أبد الآبدين، ألهم من لا يحصى عدداً من النابهين من أعضاء الأمة الإِسلامية، أن يمحضوا نشاطهم ومواهبهم للتعرف على الأحكام الشرعية. وشرفهم فضمن، لكل مجتهد بذل جهده إخلاصاً لدين الله، ضمن له الأجر على اجتهاده وإن كان اجتهاده لم ينكشف له به الصواب، وضاعف له المثوبة إذا هو أصاب. كما أن كل من قلد مجتهداً منهم هو آمن على أنه قد سار على هدى من الله.