وأن جعلناه فاعلًا لأحد الفعلين على سبيل التنازع ففيه ضعف من وجهين: أحدهما: أنه يخرج على لغة أكلوني البراغيث. والثاني: أنه يجب أن يقدر في العامل المهمل ضمير مستتر راجع إلى "كثير" ووجوب استتار الضمير في فعل الغائبين من غرائب العربية، كما قاله في المغني1. وإن جعلناه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: العمي والصم كثير منهم، فهو تكلف.
"أو مقدر كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} " [آل عمران: 97] . فـ: "من استطاع": بدل من "الناس" بدل بعض من كل، والضمير العائد على المبدل منه مقدر؛ "أي: منهم". قال ابن إياز: قال النحويون: "من استطاع": بدل بعض2. وقال ابن برهان: بدل كل، واحتج بأن المراد بالناس المستطيع، فهو عام أريد به خاص، لأن الله عز وجل لا يكلف الحج من لا يستطيع. ا. هـ.
قال الموضح في الحواشي: والجماعة يقولون: عام مخصوص، ولا ضير3، لأن الكلام بآخره ومقصوده وليس بظاهره المحض من غير نظر إلى مقصوده، والحق أنهما محتملان. ا. هـ. وقال الكسائي: من: شرطية وجوابها محذوف، والتقدير: من استطاع فليحج. ورد بأن لا حاجة إلى الحذف مع إمكان تمام الكلام، وقال ابن السيد: مَنْ: فاعل "حج" والمصدر مضاف إلى مفعوله. ورد بأنه: يقتضي أنه يجب على جميع الناس أن مستطيعهم يحج، وذلك باطل4.
"والثالث: بدل الاشتمال". واختلف في المشتمل في بدل الاشتمال فقال الرماني: هو الأول. واختاره في التسهيل5، وعلله الجزولي بأن الثاني إما صفة للأول كـ: أعجبتني الجارية حسنها، أو مكتسب منه صفة نحو: سلب زيد ماله، فإن الأول اكتسب من الثاني كونه مالكًا. ورد بأنه يلزم منه أن يجيز: ضربت زيدًا عبده، على الاشتمال وهم قد منعوا ذلك. قاله أبو حيان في التذكرة6. وقال الفارسي في الحجة: المشتمل هو الثاني. قال: بدليل: سُرِق زيدٌ ثوبُهُ، ورد بـ: سرِقَ زيدٌ فرسُهُ.