"وكأن" ملازمة للتشبيه، ولا تكون للتحقيق، خلافًا للكوفيين1، ولا حجة لهم في قوله: [من الوافر]
226-
فأصبح بطن مكة مقشعرا ... كأن الأرض ليس بها هشام
لأنه محمول على التشبيه، فإن الأرض ليس بها هشام حقيقة، بل هو فيها مدفون، ولا للظن فيما إذا كان خبرها فعلًا أو ظرفًا، أو صفة من صفة أسمائها، نحو: كأن زيدًا قعد، أو يقعد. أو في الدار أو عندك، أو قاعد، خلافًا لابن السيد2، ولا للتقريب، نحو: كأنك بالدنيا لم تكن، خلافًا لأبي الحسين الأنصاري، ولا للنفي نحو: كأنك دال عليها, أي: ما أنت دال عليها، خلافًا للفارسي.
"و" الحرف "الخامس: ليت"، وهي للتمني وهو طلب ما لا طمع فيه، أو ما فيه عسر." فالأول "نحو" قول الطاعن في السن: "ليت الشباب عائد" فإن عود الشباب لا طمع فيه، لاستحالته عادة. و" الثاني نحو "قول منقطع الرجاء" من مال يحج به، "ليت لي مالًا فأحج منه"، فإن حصول المال ممكن، ولكن فيه عسر ويمتنع: ليت غدا يجيء، فإن غدًا واجب المجيء، والحاصل أن التمني يكون في الممتنع والممكن، ولا يكون في الواجب.
"و" الحرف "السادس: "لعل"، وهي للتوقع، وعبر عنه قوم بالترجي في" الشيء "المحبوب، نحو:" لعل الحبيب قادم، ومنه عند البصريين: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] ، "والإشفاق في" الشيء "المكروه، نحو: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6] ، أي: قاتل نفسك، والمعنى: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك، قاله في الكشاف3.
فتوقع المحبوب يمسى ترجيًا، وتوقع المكروه ويسمى إشفاقًا، ولا يمكن التوقع إلا في الممكن، وأما قول فرعون: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} [غافر: 36، 37]