التعدي في الأصل. وأشرت بعدم التعدي في الحال إلى نحو ما أعرف زيدا بالحق، فإن عرف قبل التعجب متعد بنفسه إلى الحق، فلما قصد به التعجب ضمن معنى ما لا يتعدى من أفعال الغرائز، كقوى وكمل وضعف ونقص، فقصر عن نصب ما كان منصوبا به وعدي إليه بالباء كما يعدى بصُر ونحوه مما هو في أصله غير متعد. وصار ما كان فاعلا قبل مفعولا كما يصير فاعل ظهر من قولك ظهر الحق مفعولا إذا دخلت عليه الهمزة فقلت أظهرت الحق. ولا يصح قول من زعم أن أفعل المتعجب به لا يكون إلا من فعُل موضوعا أو مردودا إليه لوجهين: أحدهما أن فعِل وفعَل كجزع وصبر يساويان فعُل في عدم التعدي وقبول همزة التعدية، فتقدير ردهما إلى فعُل لا حاجة إليه. الثاني أن من الأفعال ما رفضت العرب صوغه على فعُل وهو المضاعف واليائي العين أو اللام. فإن قصد بمضاعف معنى غريزي دلوا عليه في غير شذوذ بفعِل نحو جلّ يجِل وعزّ يعِزّ وخفّ يخِفّ وقلّ يقلّ. ونسب إلى الشذوذ نحو لببت وكذا استغنوا في اليائي العين عن فعُل بفعِل نحو طاب يطيب، ولان يلين وضاق يضيق. وأما اليائي اللام فاستغنى فيه عن فعُل بفعِل نحو حيّ وعيّ وغني. فإن قصد التعجب بشيء من هذه الأنواع أدخلت هذه الهمزة عليها ولم يقدّر ردّها إلى فعُل، لأن فعُل فيها مرفوض.

وهمزة أفْعِل المتعجب به للصيرورة أي لتحول فاعله ذا كذا. فأصل قولك أحسن بزيد: أحسن زيد، أي صار ذا حُسن تام. وهو نظير أثري الرجل صار ذا ثروة وأترب أي صار ذا مال كالتراب، وأنجب وأظرف صار ذا ولد نجيب وذا ولد ظريف، وأخْلت الأرضُ وأكلأت وأكمأت، صارت ذات خلاء وكلأن وكمأة، وأورقت الشجرة وأزهرت وأثمرت، صارت ذات ورق وزهر وثمر.

وإذا كانت عين أفعل المتعجب به ياء أو واوا وجب تصحيحها نحو ما أبين الحق، وأنوره وأصله الإعلال لكن صحيح حملا على أفعَل وزنا ومعنى فأتبع أحدهما الآخر فيما هو أصل فيه. كما أجرى اسم الفاعل مجرى المضارع في العمل وأجرى المضارع مجرى اسم الفاعل في الإعراب، وكما أجرى الحسن الوجهَ على الضارب الرجلَ [في النصب]، والضارب الرجلِ على الحسن الوجه في الجر، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015