وقد يصلح لإيقاع الفعل عليه مضافا إلى المجعول مفعولا كقوله تعالى (وفَجَّرْنا الأرضَ عيونا) فإن أصله وفجرنا عيونَ الأرض. وقد يكون مميز الجملة بعد فعل ولا يصلح الإسناد إليه، ولا لإيقاعه عليه نحو امتلأ الكوزُ ماء، (وكفى بالله شهيدا)، وما أحسن الحليم رجلا. ومن نحو وفجرنا الأرض عيونا وما بعده احترزت بقولي "يقدر غالبا إسناده إليه" ثم قلت "فإن صح الإخبار به عن الأول فهو له أو لملابسه المقدر" فنبهت بذلك على أنه إذا قيل كرُم زيد أبا فيحتمل أن يكون المراد كرم زيد نفسه أبا، أي ما أكرمه من أب، ويحتمل أن يكون المراد كرُم أبو زيد أبا. أي ما أكرم أباه من أب، فالتمييز في الاحتمال المتقدم للأول، أي هما في الحقيقة شيء واحد، وهو في الاحتمال المتأخر لملابس الأول أي المضاف إليه تقديرا. وليس تقدير الإضافة شرطا، وإنما ذكرته تقريبا: ثم قلت: "وإن دل الثاني على هيئة وغنى به الأول جاز كونه حالا" فنبهت بذلك على أنه إذا قيل كرُم زيد ضيفا، والمراد أنه ضيف كريم جاز لك أن تجعل ضيفا حالا لدلالته على هيئة، وجاز أن تجعله تمييزا لصلاحيته أن يقترن بمن. والأجود عند قصد التمييز أن يجاء بمن رفعا لتوهم الحالية.
ثم قلت: "ولمميز الجملة من مطابقة ما قبله إن اتحدا معنى ماله خبرا" ففهم من ذلك أن يقال كرُم زيد رجلا وكرُم الزيدون رجالا وكرُم الزيدان رجلَيْن، فتجعل المميز مطابقا لما قبله في الإفراد والتثنية والجمع لاتحاده بما قبله في المعنى، كما كان يجعل مطابقا له في الإخبار به عنه. ولا يعترض على هذا بقوله تعالى (وحَسُنَ أولئك رفيقا) فإن الرفيق والصديق والخليل والعدوّ يستغني بمفردها عن جمعها كثيرا في الإخبار وغيره، ويزيده هنا حُسنا أنه تمييز، والتمييز قد اطرد في كثير منه الاستغناء بالمفرد عن الجمع نحوهم عشرون رجلا. ويمكن أن يكون الإفراد في حسُن أولئك رفيقا، لأن الأصل وحسُن رفيق أولئك رفيقا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه