قبله مقدرة. وهذه دعوى لا تقوم عليها حجة، لأن الأصل عدم التقدير، ولأن وجود قد مع الفعل المشار إليه لا يزيد معنى على ما يفهم به إذا لم توجد. وحق المحذوف المقدر ثبوته أن يدل على معنى لا يدرك بدونه.
فإن قيل قد تدل على التقريب، قلنا دلالتها على التقريب مستغنى عنها بدلالة سياق الكلام على الحالية، كما أغنى عن تقدير السين وسوف سياق الكلام في مثل قوله تعالى (وكذلك يجتبيك ربُّك ويُعلّمُك من تأويل الأحاديث). بل كما استغنى عن تقدير قد مع الماضي القريب الوقوع إذا وقع نعتا أو خبرا.
ولو كان الماضي معنى لا يقع حالا إلا وقبله قد مقدرة لامتنع وقوع المنفي بلم حالا، ولكان المنفي بلما أولى منه بذلك، لأن لم تنفي فَعل، ولمّا تنفي قد فعل، وهذا واضح لا ريب فيه. وأجاز بعض من قَدّر قبل الفعل الماضي الاستغناء عن تقديرها بجعل الفعل صفة لموصوف مقدّر، وهو أيضا تكلّف شيء لا حاجة إليه. قال أبو الحسن بن خروف: وزعم ابن بابشاذ أن سيبويه رحمه الله يجعل حصرت صدورهم صفة لقوم. ولم يفعل ذلك سيبويه.
قلت صدق أبو الحسن رحمه الله وغفر لابن بابشاذ. وقال الزمخشري في الكشاف عند كلامه على قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) الواو في قوله تعالى وكنتم أمواتا للحال (فإن) قلت فكيف يصح أن يكون حالا وهو ماض ولا يقال جئت وقام الأمير، ولكن وقد قام الأمير، إلا أن تضمر قد. قلت: لم تدخل الواو على كنتم أمواتا وحده، ولكن على جملة قوله تعالى (كنتم أمواتا) إلى (ترجعون) كأنه قيل كيف تكفرون وقصتكم هذه.
قلت: حاصل كلام الزمخشري أن وقوع الفعل الماضي لفظا ومعنى حالا جائز لكن بشرط تقدم قد عليه ظاهرة أو مقدرة. وقد تقدم الرد على من اشترط ذلك.