المنصوب بعد أما من المصادر مفعولا به في التنكير والتعريف، والعامل فيه فعل الشرط المقدر فيقدر متعديا على حسب المعنى، فتقدير أما علما فعالم على هذا: مهما تذكر علما فالذي وصفت عالم.

قلت: وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحق ما اعتمد عليه في الجواب: لأنه لا يخرج فيه شيء عن أصله، ولا يمنع من اطراده مانع، بخلاف الحكم بالحالية، فإن فيه إخراج المصدر عن أصله بوضعه موضع اسم فاعل، وفيه عدم الاطراد لجواز تعريفه، وبخلاف الحكم بأنه مصدر مؤكد فإنه يمتنع إذا كان بعد الفاء ما لا يعمل ما بعده فيما قبله. وأما الحكم بأنه مفعول به فلا يعرض مانع يمنع منه في لفظ ولا في معنى، فكان أولى من غيره، ومما يؤيده الرجوع إليه على أحسن الوجهين في قول الشاعر:

ألا ليت شعري هل إلى أمّ مالك ... سبيلٌ فأما الصبرُ عنها فلا صبرا

فيروى بالرفع على الابتداء، وبالنصب على تقدير مهما تذم الصبر عنها فلا صبر، هذا تقدير السيرافي وهو أسهل من جعل الصبر مفعولا له، وإن كان هو قول سيبويه.

والنصب لغة الحجازيين والرفع لغة تميم. ويؤيده في المصدر مجيئه فيما ليس مصدرا نحو أما قريشا فأنا أفضلها، رواه الفراء عن الكسائي عن العرب. وتقديره مهما تذكر قريشا فأنا أفضلها، أو تصف قريشا فأنا أفضلها. ومثله ما رواه يونس عن قوم من العرب أنهم يقولون: أما العبيدَ فذو عبيد، بالنصب وتقديره عندي: مهما تذكر العبيد فهو ذو عبيد، ومهما تذكر العبد فهو ذو عبد، فلو كان تالي أما صفة منكرة نحو أما صديقا فصديق تعيّنت الحالية وكان العامل فعل الشرط المقدر، ويجوز أن يكون العامل الصفة التي بعد الفاء، ويكون الحال مؤكدا، وكذلك يجوز الوجهان في أما صديقا فليس بصديق. ومنع المبرد في هذا إعمال صديق، لاقترانه بالباء، وغيره لا يمنع ذلك، لأن الباء زائدة فوجودها كعدمها. وزعم الأخفش أن صديقا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015