الذي قبل إلّا قد دلّ على ما يستثنى فتأمل هذا فإنه يدِقُّ. فمن ذلك قوله عز وجل: (لا عاصمَ اليومَ من أمر الله إلا من رحم) فالعاصم الفاعل، ومن رحم قد دلَّ على العصمة والنجاة، فكأنه تعالى قال والله أعلم، لكن مَن رحِمَ يُعصم أو معصوم وقال في ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضرّ، وإنما حسن هذا الكلام لأنه لما قال ما زاد دلّ على قوله هو على حاله، فكأنه قال هو على حاله إلا ما نقص، وكذلك قوله ما نقع هو على أمره إلا ما ضر".
والباء من قولي "بإلّا" متعلقة بالمخرج. واحترز بذلك من "إلّا" بمعنى "غير" كقوله تعالى (لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ) والتي بمعنى الواو كقوله تعالى (لئلا يكونَ للناس عليكم حُجّةٌ إلّا الذين ظلموا) أي ولا الذين ظلموا قاله الأخفش. والتي بمعنى "إنْ لم" كقوله تعالى: (إلّا تفعلوه تكن فتنةٌ)، والزائدة كالأولى من اللتين في قول الشاعر، أنشده ابن جني:
أرى الدهرَ إلّا مَنْجنونا بأهله ... وما صاحِبُ الحاجاتِ إلّا مُعَلَّلا
أي أرى الدهر منجنونا بأهله يتقلب بهم فتارة يرفعهم وأخرى يخفضهم، كذا قال ابن جني. ثم قال: وعلى ذلك تأولوا قول ذي الرمة:
حراجيجُ لا تَنْفَكُّ إلّا مُناخةً ... على الخَسْفِ أو نَرْمِي بها بلدا قَفْرا
أي ما تنفك مناخة، وإلّا زائدة. كل هذا قول ابن جني رحمه الله. فإلّا في هذه المواضع غير مخرجة شيئا.
ونبّهت "بأو ما بمعناها" على أن لإلّا أخوات تبيّن إن شاء الله تعالى. ثم بيّنت