وقد حمل المبرد عائذا بك وأقاعدا وقد سار الركب ونحوهما على أنها مصادر جاءت على وزن فاعل كقولهم فُلِج فالِجا. وما ذهب إليه غير صحيح، لأنه يوافقنا على أن عائذا وقاعدا ونحوه لا يدل على المصدرية في غير الأمكنة التي ادّعى فيها المصدرية، فدلالتها عليها في هذه الأمكنة اشتراك ومخالفة للاستعمال المجمع عليه فلا يقبل مجرد الدعوى. ولو سلّم الاشتراك لكانت المصدرية مرجوحة في الصفات المشار إليها، لأن استعمالها في غير المصدرية أكثر من استعمالها في المصدرية عند مَن يرى صلاحيتها، فكان الحكم بعدم مصدريتها أولى.
ومما يدل على أن عائذا وقاعدا ونحوهما ليست بمصادر في الأمكنة المذكورة امتناع مجيئها في الأمكنة المتمحضة للمصدرية نحو قعدت قعودا طويلا، وقعدت قعودَ خاشع، والقعود المعروف، فلو جعلت قاعدا في أحد هذه الأمكنة لم يجز، فدل ذلك على انتفاء مصدريته وثبوت حاليته، ولذلك لا يجيء هذا النوع إلا نكرة، ولو كان مصدرا لجاز وقوعه معرفة كما جاز تعريف المصدر. قال سيبويه: "ومن العرب من ينصب بالألف واللام، من ذلك قول: الحمدَ لله، فينصبها عامة بني تميم وناس من العرب كثير. وسمعنا العرب الموثوق بهم يقولون: العَجَب لك". قلت فعلى هذا لو قيل العياذَ بك موضع عياذا بك لجاز، ولو عرّف عائذ من قولهم: عائذا بك [لم يجز]، فدل ذلك على أنه حال لا مصدر. وفي بعض ما ذكرته كفاية والحمد لله تعالى. وكلا التقديرين قول سيبويه.
ومثله قولهم: "فاها لفيك" والضمير ضمير الداهية. ومثله قول الشاعر:
تحَسَّبَ هَوّاسٌ وأقبلَ أنني ... بها مُفْتَدٍ من واحدٍ لا أغامِرُه