الكتاب إلّا لَيُؤمِنَنَّ به قبل موته) وكقوله تعالى: (وما منّا إلّا له مقامٌ معلومٌ) و: (وإنْ منكم إلّا ورادُها) وكقول الشاعر:
نجا سالمٌ والروحُ منه بشدقِه ... ولم ينجُ إلّا جَفْن سَيْفٍ ومِئْزَرا
فالظاهر أنه أراد ولم ينج بشيء، فحذف لدلالة النفي والاستثناء بعده على منفيّ عامّ للمستثنى وغيره. ومن هذا القبيل (نحو) ما قام وقعد إلا زيد، على تأويل ما قام أحد ولا قعد إلا زيد، فحذف أحد لفظا واكتفى بقَصْده ودلالة النفي والاستثناء عليه، كما كان ذلك في الأبيات المذكورة، وفاعل قعد ضميرا لأحد المقدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث وإن كان ما بعد إلا مثنى أو مجموعا أو مؤنثا. ولو كان من باب التنازع لزم مطابقة الضمير في أحد الفعلين. ولو كان أيضا من باب التنازع لزم في نحو ما قام وقعد إلا أنا إعادة ضمير غائب على حاضر، ولزم أن يقال على إعمال الثاني ما قاموا وقعد إلا نحن. وعلى إعمال الأول ما قام وقعدوا إلا نحن. وكان يلزم من ذلك، إخلاء الفعل الملغَى من الإيجاب، لأن الفعل المنفي إنما يصير موجبا بمقارنة إلا معموله لفظا أو معنى، وعلى تقدير التنازع لم تقارن إلا معمول الملغَى لفظا ولا معنى فيلزم بقاؤه على النفي، والمقصود خلاف ذلك، فلا يصح الحكم بما أفضى إليه.
ويتعين الاعتراف بصحة الوجه الآخر لموافقته نظائر لا يشك في صحتها، ومن أظهر الشواهد على صحة الاستعمال المشار إليه قول الشاعر:
ما جاد رأيا ولا أجْدى محاولةً ... إلا امرُؤٌ لم يضع دُنيا ولا دينا