إذا تَغَنّى الحمامُ الوُرْقُ هَيَّجَني ... ولو تَسلّيتُ عنها أمَّ عمّارِ
بإضمار ذكرت، لأن التهيج سبب التذكر وباعث عليه. ومثال الاستغناء بحضور مقارنة قولك لمَن تأهب للحجّ: مكة بإضمار أراد مكة، ولمن سدّد سهما: القرطاسَ، بإضمار تصيب، وللمواجهين مطلع الهلال إذا كبّروا: الهلالَ، بإضمار رأوا. ومن هذا القبيل قول الشاعر:
لنْ تراها ولو تأمّلْت إلا ... ولها في مَفارِقِ الرأسِ طيبا
بإضمار ترى، لأن رؤية الشخص مقارنة لرؤية ما يشتمل عليه، فاستغنى بفعل إحداهما عن الأخرى. وينبغي أن يكون ترى المضمر بمعنى تَعْلم، لأنه إذا كان بمعنى تُبصر يلزم من ذلك كون الموصوفة مكشوفة الرأس. وينبغي أيضا أن تجعل الفعل المضمر خبر مبتدأ محذوف لئلا تكون واو الحال داخلة على مضارع مثبت، وذلك غير جائز عند الأكثرين. وما أوهمه قُدّر قبله مبتدأ. ومثل هذا البيت قول الآخر:
وجَدنا الصالحينَ لهم جزاءٌ ... وجَنّاتٍ وعَيْنا سَلْسَبيلا
أي لهم جزاء ووجدانا لهم جنات، فأضمر، لأن الموجودين متقارنان فاستغنى بفعل أحدهما عن الفعل الآخر. ومن هذا القبيل قول الآخر:
فكَرّتْ تبْتغيه فوافَقَتْه ... على دمِه ومصرعِه السباعا