والحاصل أن إطلاق الكلمة على ثلاثة أقسام: حقيقي وهو الذي لا بد من قصده. ومجازي مهمل في عرف النحاة وهو إطلاق الكلمة على الكلام التام، فلا يتعرض لهذا بوجه، ومجازي مستعمل في عرف النحاة وهو إطلاق الكلمة على أحد جزأي العلم المضاف، فترك التعرض له جائز، والتعرض له أجود لأن فيه مزيد فائدة.
ولما كان الاسم بعض ما تتناوله الكلمة، وكان بعض الأسماء لا يلفظ بها كفاعل أفْعُل وتفْعَلُ، دعت الحاجة إلى زيادة في الرسم ليتناول بها ما لم يتناوله اللفظ فقيل "أو منوي معه" أي مع اللفظ، ومنوي صفة قامت مقام موصوفها والتقدير: الكلمة لفظ مقيد بما ذكر، أو غير لفظ منوي مع اللفظ، وأشير بكذلك إلى الدلالة والاستقلال المنبه عليهما، واحترز به من الإعراب المنوي في نحو: فتى، فإنه يصدق عليه أن منوي مع اللفظ المقيد إلا أنه غير مستقل ولا منزل منزلة مستقل، فإن الإعراب بعض الكلمة المعربة وإذا لفظ به لم يدخل في مدلولات الكلمة، فهو بأن لا يدخل حين لا يلفظ به أحق وأولى.
ثم الكلمة إن لم تكن ركن الإسناد فهي حرف، وإن كانت ركنا له فإن قبلت الإسناد بطرفيه فهي اسم، وإلا فهي فعل.
ص: والكلامُ ما تَضَمن من الكَلِم إسنادا مُفيدًا مَقْصُودًا لذاته.
ش: صرح سيبويه في مواضع كثيرة من كتابه بما يدل على أن الكلام لا يطلق حقيقة إلا على الجمل المفيدة، فمن ذلك قوله: "واعلم أن قلتُ في كلام العرب إنما وقعت على أن يحكى بها ما كان كلاما لا قولا" عنى بالكلام الجمل، وبالقول المفردات، ولا يريد أن القول مخصوص بالمفردات، فإن إطلاقه على الجمل سائغ باتفاق. وقد سمى الاعتقاد قولا، لأن الاعتقاد لا يفهم إلا بغيره والقول قد لا يتم معناه إلا بغيره، بخلاف الكلام فإنه تام المعنى بنفسه، ولذلك أطلق على القرآن أنه كلام الله تعالى، ولم يطلق عليه أنه قول الله تعالى، وقد شاع إطلاق القول على ما لا يطلق عليه كلام كقول أبي النجم:
قالت له الطير تَقَدَّمْ راشدًا ... إنك لا ترجع إلا حامدًا