الثاني: أن الباء إنما دخلت على الخبر بعد ما لكونه منفيا، لا كونه خبرا منصوبا، ولذلك دخلت على خبر لم أكن، وامتنع دخولها على خبر كنت. وإذا ثبت أن كون المسوغ لدخولها النفي، فلا فرق بين منفي منصوب المحل ومنفي مرفوع المحل.
الثالث: أن الباء المذكورة قد ثبت دخولها بعد بطلان العمل، وبعد هل، كقوله:
بواه ولا بضعيف قواه
وقوله: ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم
وإنما دخلت على الخبر بعد هل لشبه هل بحرف نفي، فلأن تدخل على ما التميمية أحق وأولى، لأن شبه ما بما، أكمل من شبه هل بما، وقد تقدم أن الفراء حكى أن أهل نجد كثيرا ما يجرون الخبر بعد ما بالباء، وإذا أسقطوا الباء رفعوا، وهذا دليل واضح على أن وجود الباء جارة للخبر بعد ما لا يلزم منه كون الخبر منصوب المحل، بل جائز أن يقال: هو منصوب المحل، وأن يقال هو مرفوع المحل، وإن كان المتكلم به حجازيا، فإن الحجازي قد يتكلم بلغة غيره، وغيره قد يتكلم بلغته، إلا أن الظاهر أن محل المجرور نصب إن كان المتكلم حجازيا، ورفع إن كان المتكلم تميميا أو نجديا.
فمن دخول اللغة التميمية في الحجازية كسر هاء الغائب بعد كسرة أو ياء ساكنة، وإدغام نحو: (ولا يضار كاتب ولا شهيد) ورفع الله من قوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا اللهُ) لأن اللغة الحجازية بهُ وفيهُ بالضم، ولا يضارر بالفك، وإلا اللهَ بالنصب، لأن الاستثناء منقطع. وإذا جاز للحجازي أن يتكلم باللغة التميمية، جاز للتميمي أن يتكلم باللغة الحجازية، بل التميمي بذلك أولى لوجهين: أحدهما: أن الحجازية أفصح، وانقياد الفصيح