ولا ريب في أن التوازن في هذا الضرب أكمل منه في: يضرب فهو ضارب، فبان بما ذكرناه تفضيل ما اعتبرناه.
وفي قولنا في المضارع "فأعرب ما لم تتصل به نون توكيد أو إناث" إشعار بأن المضارع لا يُحكم ببنائه لتوكيده بالنون مطلقا، بل المؤكد بها معرب ومبني، فالمعرب ما أسند إلى ضمير اثنين أو جمع أو مخاطبة، نحو: هل تفعلانِّ، وهل تفْعَلُنّ، وهل تفعِلنَّ، والمبني ما ليس كذلك.
وإنما كان الأمر كذلك لأن المؤكَد بالنون إنما بني لتركيبه معها وتنزُّله منها منزلة صدر المركب من عجزه، وذلك منتف من يفعلانِّ وأخويه. هذا مذهب المحققين، ويدل على صحته أن البناء المشار إليه إما بالتركيب، وإما لكون النون من خصائص الفعل، فضعف بلحاقها شَبَهُ الاسم، إذ لا قائل بغير ذلك، والثاني باطل لأنه مرتب على كون النون من خصائص الفعل، ولو كان ذلك مؤثرا لبنى المجزوم، والمقرون بحرف التنفيس، والمسند إلى ياء المخاطبة، لأنها مساوية للمؤكد في الاتصال بما يخص الفعل، بل ضَعف شبه هذه الثلاثة أشد من ضعف شبه المؤكد بالنون، لأن النون وإن لم يَلِقْ لفظها بالاسم فمعناها به لائق، بخلاف لم وحرف التنفيس وياء المخاطبة بالفعل لكان ما اتصل به أحد الثلاثة مبنيا، لأنها أمكن في الاختصاص، وفي عدم بناء ما اتصلت به دلالة على أن موجب البناء التركيب إذ لا ثالث لهما. وإذا ثبت أن موجب البناء هو التركيب لم يكن فيه لتفعلانِّ وأخويه نصيب، لأن الفاعل البارز حاجز، وثلاثة أشياء لا تركب.
وأيضا فإن الوقف على نحو: هل تَفعلين، بحذف نون التوكيد وثبوت نون الرفع، فلو كان قبل الوقف مبنيا لبقي بناؤه، لأن الوقف عارض، فلا اعتداد بزوال ما زال لأجله، كما لا اعتداد بزوال ما زال لالتقاء الساكنين نحو: هل تذكر الله، والأصل: تذكرنْ، فحذفت النون الخفيفة لالتقاء الساكنين، وبقيت فتحة الراء الناشئة عن النون مع كونها زائلة، لأن زوالها عارض فلم يعتد به، ولا فرق بين العروضين، فلو كان لتفعلُنْ ونحوه قبل الوقف بناء لاستصحب عند عروض الوقف كما استصحب بناء هل تذكرَنْ عند عروض التقاء الساكنين.