البناء، ولا يخلص من هذا القدح قولهم: لتغير العامل، فإن زيادة ذلك توجب زيادة فساد، لأن ذلك يستلزم كون الحال المنتقل عنها حاصلة بعاملٍ تغير، ثم خلفه عامل آخر حال التركيب، وذلك باطل بيقين، إذ لا عامل قبل التركيب، وإذا لم يصح أن يعبَّر عن الإعراب بالتغيير صح التعبير عنه بأنه المجعول آخرا من حركة وغيرها على الوجه المذكور.
وقال بعضهم: لو كانت الحركات وما جرى مجراها إعرابا لم تُضف إلى الإعراب، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، وهذا قول صادر عمن لا تأمل له، لأن إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى أو تقاربهما واقعة في كلامهم بإجماع، وأكثر ذلك فيما يقدر أولهما بعضا أو نوعا، والثاني كلا أو جِنْسا وكلا التقديرين في حركات الإعراب صالح فلا يلزم من استعماله خلاف ما ذكرنا.
وينبغي أن تعلم أن المعاني التي تعرض للكلم على ضربين.
أحدهما ما يعرض قبل التركيب كالتصغير والجمع والمبالغة والمفاعلة والمطاوعة والطلب، فهذا الضرب بإزاء كل معنى من معانيه صيغة تدل عليه، فلا حاجة إلى الإعراب بالنسبة إليه.
والثاني من الضربين ما يعرض مع التركيب كالفاعلية والمفعولية والإضافة، وكون الفعل المضارع مأمورا به أو معطوفا أو علة أو مستأنفا، وهذا الضرب تتعاقب معانيه على صيغة واحدة فتفتقر إلى إعراب يميز بعضها عن بعض، والاسم والفعل المضارع شريكان في قبول ذلك مع التركيب، فاشتركا في الإعراب، لكن الاسم عند التباس بعض ما يعرض له ببعض ليس له ما يغنيه عن الإعراب، لأن معانيه مقصورة عليه، فجعل قبوله لها واجبا، لأن الواجب لا محيص عنه، والفعل المضارع وإن كان قابلا بالتركيب لمعان يخاف التباس بعضها ببعض فقد يغنيه عن الإعراب تقدير اسم مكانه نحو: لا تُعنَ بالجفاء وتمدح عمرا، فإنه يحتمل أن يكون نهيا عن الفعلين مطلقا، وعن الجمع بينهما، وعن الجفاء وحده مع استئناف الثاني، فالجزم دليل الأول، والنصب دليل الثاني، والرفع دليل الثالث، ويغني عن ذلك وضع اسم موضع كل واحد من المجزوم والمنصوب والمرفوع نحو أن تقول: لا تُعنَ بالجفاء ومدحؤ عمرٍو، ولا تعن بالجفاء مادحا عمرا، ولا تعن بالجفاء ولك مدحُ عمرو، فقد ظهر بهذا