ووافق ابن السراج على منع التذكير في هذا وأمثاله. وأجاز في نحو: مَنْ هي محسنةٌ أمك، أن يقال: من هي محسن أمُّك، أو: منْ محسنٌ أمك. فأما: مَنّ محسن أمك، فغريب، وأما: من هي محسنٌ أمُّك، ففيه من القبح قريب ما في: من هي أحمر أمتك، فوجب اجتنابهما.
والذي حمل ابنَ السراج على جواز: من هي محسن أمك، شبه محسن بمرضع ونحوه من الصفات الجارية على الإناث بلفظ خالٍ من علامة، بخلاف أحمر فإن إجراء مثله على مؤنث لم يقع، فلذلك اتفق على منع: من هي أحمر أمتك.
واعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ كقوله تعالى (ومِن الناس من يقولُ آمنّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين).
فلو عُضِد المعنى بعد اعتبار اللفظ تعين اعتبار المعنى، ولذلك قرأ (ومن يَقنُت منكنّ لله ورسوله وتعمل) بالتأنيث الخمسةُ غير حمزة والكسائي، لأن معنى التأنيث قد اعتضد بسبق (من يقنت منكن) وهو نظير اعتضاد التأنيث في (من هي روضة) لسبق (وإن من النسوان).
واعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى كقوله تعالى (ومنْ يؤمن بالله ويعمل صالحا يُدْخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا) ومثله قول الشاعر:
لست ممن يَكِعّ أو يستَكِينو ... ن إذا كافَحَتْه خيلُ الأعادي
ص: وتقعُ "مَنْ وما" شرطِيَّتين واستفهاميتين، ونكرتين موصوفتين، ويُوصف بما على رأى.
ولا تزاد "مَنْ" خلافا للكسائي، ولا تقع على غير من يعقل إلا مُنَزَّلا منزلتَه