ويجوز فيه الرفع على ثلاثة أوجه: إما على التشريك، كأنك قلت: ما تأتيني وما تحدثني. وإما على السببية وبناء ما بعد الفاء على مبتدأ محذوف، كما قال تعالى: (ولا يُؤْذَنُ لهم فيعتذرون) تقديره: فهم يعتذرون، والمعنى: فكيف يعتذرون. وإما على الاستئناف كما قال:
غير أنّا لم تأتِنا بيقينٍ ... فنُرَجِّي ونكثرُ التأميلا
كأنه قال: فنحن نرجى أبدا.
واعلم أن شرط النصب بعد النفي أن يكون داخلا على الفعل المعطوف عليه إما خاليا عما يزيل معناه وهو النفي المحض، كما قال: ما تأتيني فتحدثني، ونحوه مما تقدم ذكره. وإما معه ما يزيل معناه وينقل الكلام إلى الإثبات، وهو النفي المؤول، وذلك ما قبله استفهام، أو بعده استثناء. فالأول كقولك: ألم تأتنا فتحدثنا، فتنصب على معنى: ألم تأتنا محدثا، قال الشاعر:
ألم تسألْ فتُخْبرَك الرسومُ ... على فِرْتاج والطللُ القديمُ
وكل موضع يدخل فيه الاستفهام على النفي فنصبه جائز على هذا المعنى، ولك فيه الجزم والعطف، على معنى: ألم تأتنا فلم تحدثنا، والرفع على الاستئناف وإضمار مبتدأ، كما قال:
ألم تسأل الرَّبْعَ القَواء فينطقُ ... وهل يُخبِرَنْكَ اليومض بيداءُ سملقُ
كأنه قال: فهو ينطق.
والثاني كقولك: ما تأتينا فتقولَ إلا خيرا، فتنصب، مع أنك أتيت بإلا،