بذلك أن الأمر من يعلم ويضرب ويخرج: اعلم واضرب واخرج، وكذلك ما أشبهها. وقد عرف ذلك من الفصل السابق، ولكن زيادة البيان أحوط.
وخرج بتقييد السكون باللفظ المحرك ثانيه لفظا لا تقديرا كيقوم ويرد ويرى ويسل، فإن ثوانيها محركة لفظا مسكنة تقديرا، فلو لم يقيد السكون باللفظ لتناولت العبارة ما هو مستغن عن همزة الوصل، من المحرك ثانيه لفظا المسكن تقديرا.
وخرج بقولي: "عند حذف أوله" خذْ وكلْ ومرْ، وكان حقها أن يقال فيها: اؤخذ واؤكل واؤمر، كما يقال في الأمر من: أثر الحديث، وأجر الأجير: اؤثر واؤجر، لكن كثر استعمال الأفعال الثلاثة، فحذفت الهمزة من الأمر منها على غير قياس، وللكلام على الحذف موضع هو أولى من هذا.
ولما حصرت مواقع همزة الوصل في الأفعال والمصادر كملت ذلك بضبط مواقعها الباقية وهي: ابن، وابنة، واثنان، واثنتان، وامرؤ، وامرأة، واسم واست، وايمن المخصوص بالقسم، وابنم، وال موصولة كانت أو معرفة أو زائدة. وقيد ايمن بكونه المخصوص بالقسم احترازا من أيمن جمع يمين، وقد تقدم الكلام في باب القسم على ايمن مكملا، لكن بعد العهد به، فلم أر بأسا بإعادة بعض ذلك تأكيدا للبيان، وتوقيا للنسيان.
ولما كان سبب الإتيان بهمزة الوصل التوصل إلى الابتداء بالساكن، وجب كونها متحركة كسائر الحروف المبدوء بها، وأحق الحركات بها الكسرة، لأنها راجحة على الضمة لقلة الثقل، وعلى الفتحة لأنها لا توهم استفهاما بخلاف الفتحة فإنها توهمه، فإنه لو قيل في: اصطفى: اَصطفى، والاستفهام غير مراد، لكان لفظه كاللفظ به والاستفهام مراد. فإذا قيل في الإخبار: اِصطفى بالكسر، وفي الاستفهام: اَصطفى بالفتح، أمن الإيهام، وتأكد الإفهام.
وفي فتح همزة الوصل أيضا محذور آخر وهو تأديته إلى التباس الأمر بالمضارع المسند إلى المتكلم، وذلك أنه لو قيل في الأمر بالانطلاق: اَنطلق، بفتح الهمزة، لتوهم أنه مضارع مسند إلى المتكلم، ولا يكفي الفرق بالسكون، فإن المضارع قد يسكن في مواضع الرفع تخفيفا، كتسكين أبي عمرو: "ينصركم" وأخواته.