وقولي: "وإن كان المؤكد به ضميرا متصلا أو حرفا غير جواب" أشرت بذلك إلى أن قاصد توكيد نحو: تاء فعلت، بإعادة لفظه، لا غنى له عن إعادة ما هو به متصل، فتقول: فعلت فعلت، ورأيتك رأيتك، ومررت به به. وكذلك يلزم في الحرف غير المجاب به، فعلى قاصد إعادة "في" من قولك: فيك نجابة، أن يقول: فيك نجابة فيك. وعلى قاصد إعادة "إنّ" من قولك: إن زيدا منطلق، أن يقول: إن زيدا إن زيدا منطلق، وإن زيدا إنه منطلق، وإن كان مع ذلك فصل كان أحسن، كقوله تعالى: (أيعدكم أنكم إذا مِتُّم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) فأكد أنكم بأنكم مع الفصل. ويجوز أن يجعل الثاني مبتدأ، والخبر إذا متم، والجملة خبر أن الأولى، والتوكيد أجود. وليس لك أن تكرر الحرف وحده إلا إن اتصل به حرف عطف كقول الكميت: هل ثم هل، وكقول الراجز:
حتى تراها وكأنّ وكأنْ ... أعناقَها مُشَدَّداتٌ في قَرَن
واستثنيت حرف الجواب لأنه قائم مقام جملة، فلقاصد توكيده أن يكرره وحده كما له في الإجابة أن يجيب به وحده، كقوله: أجل أجل لا لا، ولا يكرر حرف غيره إلا في ضرورة، نص على ذلك ابن السراج في الأصول.
وقد أشار الزمخشري في المفصل إلى توكيد الحرف الذي ليس من حروف الجواب بإعادته وحده، ونحو: إن إن زيدا منطلق، وقوله مردود لعدم إمام يسند إليه، وسماع يعول عليه، ولا حجة في قول الشاعر:
إنّ إنّ الكريمَ يحلُم مالم ... يَرَيَنْ مَنْ أجارَهُ قد ضيما