حتى كاد يكون هملا حقيق بأن يُهمل ما يتضمنه من أمثلة الجموع، لأن الجمع أثقل من المفرد. والجواب من أربعة أوجه: أحدها: أن المفرد وإن كان أخف من الجمع قد يستثقل فيه ما يستثقل في الجمع لأنه معرض لأن يتصرف فيه بتثنية وجمع ونسب، وإذا كان على هيئة مستثقلة يُضاعف استثقالها بتعرُّض ما هي فيه إلى استعمالات متعددة، بخلاف الجمع فإن ذلك فيه مأمون.
الثاني: أن فِعِلا أخفُّ من فُعُل، فمقتضى الدليل أن تكن أمثلة فِعل أكثر من أمثلة فعُل، إلا أن الاستعمال اتفق وقوعه بخلاف ذلك، فأي تصرف أفضى إلى ما هو أحق بكثرة الاستعمال فلا ينبغي أن يجتنب، بل يجوز أن يؤثر جَبرا لما فات من كثرة الاستعمال، ويؤيد هذا أنهم لا يكادون يسكنون عين إبل، بخلاف فعُل فإنه يسكن كثيرا.
الثالث: أن فُعُلات يتضمن فُعُلا وهو من أمثلة الجمع، وفِعِلات يتضمن فِعِلا وليس من أمثلة الجمع، وهو أحق بالجواز، لأنه جمع لا يشبه جمع الجمع، بخلاف فُعلات فإنه يشبه جمع الجمع، والأصل في جمع الجمع الامتناع، فما لا يشبهه أحق بالجواز مما يشبهه.
الرابع: إن فعِلات قد استعملته العرب جمعا لفِعْلة كنعمة ونِعمات. وقد أشار سيبويه إلى أن العرب لم تجتنب استعماله كما لم تجتنب استعمال فِعْلات، وقد رجح بعض العرب فِعِلات على فُعُلات إذ قال في جمع جِرْوة: جرِوات، فاستهل النطق بكسر عين فِعلات فيما لامه واو، ولم يستسهل النطق بضم عين فعْلات فيما لامه ياء، فبان بما ذكرته إن فعِلات في جمع فِعلة كفُعُلات في جمع فُعْلة، أو أحق منه بالجواز.
والتزم غير هذيل في نحو: جوزة وبيضة سكون العين، فسوَّوْا في ذلك الأسماء والصفات، وأما هذيل فسلكوا بهذا النوع سبيل ما صحت عينه، فقالوا: جوَزات وبَيضات، كما قال جميع العرب: تَمَرات وجَفَنات. وقالوا في الصفات: جوْنات