ومن الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تبارك وتعالى ليعجب من الصلاة في الجمع)، أي: صلاة الجماعة، والمعنى: أن الله عز وجل يعجبه ذلك، ويفرح به، ويحب عبده الذي يواظب على صلاة الجماعة، فصلاة الجماعة والمواظبة عليها ينبغي أن يحرص عليها المسلم أشد الحرص، كما ينبغي أن يحرص على أن يسمع تكبيرة الإحرام من الإمام، وهي أول تكبيرة في الصلاة، وقد ورد في فضيلة المحافظة عليها حديث رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)، قوله: (من صلى لله أربعين يوماً)، كأن العدد فيه مقصود، ففي قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام حين واعده ربه سبحانه أن ينزل عليه التوراة، فواعده أن يتعبد لله ثلاثين يوماً، ثم أتبعها بعشر قال تعالى: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف:142]، فجعلها أربعين يوماً، فكأن هذا العدد له مزية في العبادة والمواظبة على العبادة، وكأنه إذا وصل إليه الإنسان في المواظبة على العبادة، كانت له العبادة بعد ذلك عادة فلا تشق عليه.
فقوله في صلاة الجماعة: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة) أي: مائتي صلاة، لا أربعين صلاة، وهي عدد الصلوات في أربعين يوماً، ويشترط لنيل هذا الفضل: أن (يدرك التكبيرة الأولى) وهي تكبيرة الإحرام، أي: يسمع الإمام وهو يكبر تكبيرة الإحرام.
وقوله: (كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)، فيه فضيلة عظيمة جداً تجعل الإنسان يحرص قدر المستطاع على أن يواظب على صلاة الجماعة في بيت الله عز وجل من أجل أن ينال هذه الفضيلة.
وقوله: (براءتان: براءة من النفاق)، أي أن الله عز وجل يؤمنه أن يقع في النفاق، ويعصمه من أن ينافق نفاق عقيدة، أو نفاق عمل بفضل هذه المواظبة، فالمعلوم أن المنافقين كما أخبر الله عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142]، فالبراءة المذكورة في الحديث أنها من النفاق أي: لا يقوم كسلان، إذ كيف يقوم كسلان وهو جاهد أن يدرك تكبيرة الإحرام، فالفرق كبير بين هذا الإنسان وبين هؤلاء، بل لا يوجد تناسب بين الإنسان المؤمن والإنسان المتكاسل عن الصلاة.
وقوله: (وبراءة من النار)، أي أنه لا يكون من أهل النار يوم القيامة، وليس معنى الحديث: أن من أدرك تكبيرة الإحرام أربعين يوماً لا يواظب عليها بعدها، أو يجلس في البيت ولا يصلي متوهماً أنه مادام قد أخذ جائزته فله أن يترك الصلاة، بل المراد: المواظبة على تكبيرة الإحرام.
ولذلك جاء عن السلف رضوان الله عليهم: أنهم كانوا إذا فاتت أحدهم تكبيرة الإحرام يعزي نفسه ويعزونه الناس ثلاثة أيام، أما الصلاة فهو مدركها، لكن فاتته تكبيرة الإحرام.
أما إذا فاتت أحدهم الصلاة في وقتها، فإنهم يعزونه أسبوعاً على ما فاته، وكأن مصيبة نزلت به، كالمصيبة التي تنزل بالإنسان فيعزى من أجلها، كموت أحد أقاربه.
لذلك ينبغي على الإنسان المسلم أن يحرص على المواظبة على تكبيرة الإحرام، ولعله لا يدرك ذلك من أول مرة، كأن يواظب أسبوعاً ثم يقطعها، فينبغي عليه أن يعيد ذلك مرة ثانية وثالثة حتى يوفقه الله، قال تعالى: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الأنفال:70]، فالله سبحانه وتعالى أدرى بمن يستحق ذلك الفضل، إذ الأمر ليس هيناً يمكن أن يدرك بسهولة، كما أن كثرة المشاغل في الدنيا تحول في الغالب دون الاستمرار في ذلك، ولكن الله عز وجل قد يعلم من نية العبد المواظبة فيكتب له الأجر والثواب حتى ولو فاتته تكبيرة الإحرام في بعض الصلوات، ولكن العبد يعامل نفسه بما جاء في الحديث، وينتظر رحمة الله سبحانه وتعالى من وراء ذلك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.