وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رواه ابن أبي الدنيا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان عليه كريمة).
والدرجات في الآخرة درجات عالية جداً، فمهما أخذ الإنسان من الدنيا، وطمع فيها، وقد يكون هذا الإنسان كريماً عند الله عز وجل، ولكنه لا يصل إلى الدرجات العلا لأخذه من الدنيا ومن حطامها؛ ولذلك المؤمن يأخذ ما يكفيه، وإن جاءته الدنيا أنفق لله عز وجل بقدر ما وسع عليه؛ حتى يزاحم في الآخرة مع أهل الدرجات.
وعن أبي عسيب رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فمر بي، فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بـ أبي بكر رحمه الله فدعاه فخرج إليه، ثم مر بـ عمر رحمه الله فدعاه فخرج إليه، فانطلقنا حتى دخل حائط لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط: أطعمنا، فأطعمنا بسراً، -أي: بلح البسر- بعذق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب).
وبعد أن أكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التمر، وشربوا الماء، ولم يكن الماء من ثلاجة، ولكنه ماء بارد من البئر، كانوا يأتون به ويضعونه في زير أو في قلة، ويبردونه في الهواء، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أكل، ثم قال لهم هذه الموعظة، قال: (لتسألن عن هذا يوم القيامة) يعني: هذا من النعيم الذي أنعم الله عز وجل به عليكم.
قال: فأخذ عمر رحمه الله العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (يا رسول الله! إنا لمسؤلون عن هذا يوم القيامة؟) يعني: عن هذا وهو أقل شيء، وكل الناس تجده، والمدينة مليئة بالبساتين؟ فـ عمر بن الخطاب يستغرب ويقول: هل هذا هو الذي يقول الله عنه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8]؟ وهل هذا هو الذي سنسأل عنه يوم القيامة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم، إلا من ثلاث: خرقة لف بها الرجل عورته، أو كسرة سد بها جوعته، أو جحر يدخل فيه من الحر أو القر)، يعني: غرفة صغيرة يدخل فيها، وليس قصراً ولا فلة كبيرة ولا شقة كبيرة، فهذه يسأل عنها كلها يوم القيامة.