شرح حديث: (إن الله لا يحب هذا وأضرابه)

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: (كنت في أصحاب الصفة) والصفة: مكان في مؤخرة المسجد له غطاء يقعد فيه الفقراء ممن هاجروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس لهم زوجات ولا بيوت، فهم أضياف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء كان منهم واثلة، يقول: (كنت في أصحاب الصفة، ولقد رأيتنا وما منا إنسان عليه ثوب تام)، أي: لا يوجد شخص يلبس ثوباً كاملاً.

يقول: (وقد أخذ العرق في جلودنا طريقاً من الغبار والوسخ) فالمدينة كانت حارة، وهم لا يجدون ماءً يستحمون به ويتجملون، قال: (إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليبشر فقراء المهاجرين)، أي: أبشروا يا فقراء المهاجرين، قال: (إذ أقبل رجل عليه شارة حسنة)، أي: جاء شخص من الناحية الأخرى متجملاً بأحسن الثياب، قال: (فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلام يعلو كلام النبي صلى الله عليه وسلم) فهو إنسان سافل حقير، النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم وهو يقوم يتكلم ويريد بهذا أن يقول كلاماً أحسن من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يتكلف الفصاحة! إذاً: لا تحكم على الإنسان بظاهره، فهذا الذي أتى وهو لابس حلة وعليه شارة، جاء مستكبراً حتى على النبي صلوات الله وسلامه عليه، ألا لعنت الله على الظالمين! وظل النبي عليه الصلاة والسلام يتكلم وهذا الرجل يذهب بكلام ليظهر الفصاحة وأنه أحسن كلاماً من النبي صلى الله عليه وسلم، فرسول الله لم يرد عليه وتركه حتى انصرف، فلما انصرف قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يحب هذا وأضرابه).

فهذا بغيض عند الله سبحانه تبارك وتعالى؛ لأنه معجب بنفسه، فنسي أنه أمام النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وأتى يريد أن يتعاظم أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن ثيابه التي لبسها دفعته إلى الغرور، حتى إنه لا يقدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدره، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يحب هذا وأضرابه، يلوون ألسنتهم للناس لي البقر بلسانها المرعى) مثل البقرة عندما تأخذ الكلأ والمرعى بلسانها وتلوكه، فكذلك هذا الإنسان يريد أن يجمع بين الفصاحة بزعمه وظنه.

قال صلى الله عليه وسلم: (كذلك يلوي الله تعالى ألسنتهم ووجوههم في النار) يعني: هذا المغرور يوم القيامة يلوي الله لسانه ووجهه ويدخله نار جهنم والعياذ بالله! المقصود من جملة هذه الأحاديث: أنك لا تنظر ولا تحكم على الإنسان بملبسه وشارته، ولذلك وفد بعض الحكماء من العرب على خليفة من الخلفاء وكان لابساً جبة رثة فقيرة ليس فيها زينة ولا شيء، فالخليفة كأنه ما عبره وجعل ينظر إلى الجبة، فهذا الحكيم يتكلم والخليفة ينظر إلى الجبة، فقال: هذا الذي يكلمك وليست هذه، يعني: ليست الجبة هي التي تكلمك، وإنما لساني هو الذي يكلمك، فانظر إلى حكمة هذا الإنسان وعقله، ودعك من النظر إلى ثيابه وغناه، فإن الذي ينفع الإنسان هو ما وقر في قلبه من إيمان، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015