وفي الحديث الذي يرويه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استحيوا من الله حق الحياء فقالوا: يا نبي الله إنا لنستحيي من الله حق الحياء) وهم أهل لذلك رضي الله عنهم، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الحياء من الله عز وجل حق الحياء هو أن (تحفظ الرأس وما وعاه والبطن وما حواه، ولذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك الحياة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).
فالصحابة يستحيون من ربنا فلا يعملون المعاصي، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستحياء من الله حق الحياء غير الحياء العادي، وهو: (أن تحفظ الرأس وما وعى) فعقلك لا تفكر به إلا في الخير وفي ربك سبحانه وتعالى وفي طاعته، فلا يشك بالله، ولا يفرح بشهوات تافهة ومحرمة.
وأذنك لا تسمع بها إلا الخير، فلا تسمع بها أشياء منكرة من القول الزور والكلام الفاحش ونحو ذلك.
والعين لا تنظر بها إلا إلى ما أحل الله عز وجل، وامتنع أن تنظر إلى ما حرم الله سبحانه وتعالى.
واللسان لا تنطق به إلا خيراً وابتعد عما حرم الله سبحانه، والفم لا تدخل فيه إلا ما أحل الله سبحانه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (وتحفظ البطن وما حوى)، ففيها المعدة فلا تدخل فيها أكلاً ولا شرباً محرماً، وتحفظ فرجك من أن يقع فيما حرم الله عز وجل من الزنا واللواط وغيرهما من المنكرات.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ولتذكر الموت والبلى)، فالموت على باب المؤمن، وأتعجب من إنسان يقول: أنا أخاف من الموت ومع ذلك يعصي الله سبحانه وتعالى، أو يخاف من الموت ولا يعمل الأعمال الصالحة، فهذا نوع من المرض يحتاج إلى علاج، لكن الخوف من الموت هو الخوف من لقائه سبحانه وتعالى، فيدفعه لأن يعمل لله سبحانه وتعالى، ويعطي الحقوق لأصحابها، ولا يضيع الفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى، ولا ينتهج المحرمات التي حرمها الله سبحانه.
وإذا قيل للإنسان أنه سيموت بعد ساعة فإنه سيؤدي الفرائض، وسيتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وسيؤدي الحقوق إلى أصحابها؛ لكي يموت نظيفاً، فأعد نفسك كأنك تموت الآن، فإذا كان الإنسان مستعداً للموت في كل لحظة من لحظاته فإن الموت يأتيه وهو نظيف من المعاصي وما وقع في شيء منها.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا)، فإذا كان الإنسان طالباً ما عند الله فإنه لا يهتم لزينة الدنيا من لباس وطعام وشراب، فيكفيه ما كفى رسول صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، فلا يطلب زينة الحياة الدنيا، فالله عز وجل يجعل هذا الإنسان هو صاحب الحياء الذي يستحق ما عند الله.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا الحياء منه سبحانه وتعالى حق الحياء، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.